لم يحل احتضان وزير الداخلية، زياد بارود، أمس، المشاركين في «التجمّع» الذي دعت إليه حملة «جنسيتي حق لي ولأسرتي» دون الاستمرار في طرح الأسئلة نفسها عن حظوظ إقرار مشروع عادل ينصف المرأة اللبنانية، وخصوصاً أن إجابات الوزير عن الاستثناءات المقترحة، كشرط لتمرير مشروع قانون الجنسية، بقيت ملتبسة
مهى زراقط
لم يبقَ المشاركون في «التجمّع» الذي دعت إليه حملة «جنسيتي حق لي ولأسرتي» أمام وزارة الداخلية أمس، طويلاً خارج أسوار الوزارة. ما إن نزل الوزير زياد بارود من مكتبه إلى الباحة الخارجية لاستقبال وفد من الحملة، سُمح لأفراده بالدخول بعد تسجيل أسمائهم لدى عناصر قوى الأمن الداخلي، حتى سأل: أين البقية؟ فليدخلوا جميعاً. لحظات، وتخلى عناصر قوى الأمن الداخلي عن الإجراءات التي كانوا يقومون بها، وفتحوا الأبواب لاستقبال جميع المشاركين في التجمّع داخل حرم الوزارة.
انتقل هؤلاء، إذاً، من ناصية الشارع الملاصق لحديقة الصنائع وتجمّعوا في الباحة الشرقية للوزارة، رافعين لافتاتهم. فبدا المشهد غير مألوف: مواطنون يرفعون لافتات تطالب بحقوقهم، داخل حرم الوزارة، و...يصفقون للوزير. حتى لو كانت الدعوة هي إلى «تجمّع» (وليس اعتصاماً كما كان مقرّراً يوم الأحد) تحت عنوان «دعم جهود وزير الداخلية لتعديل قانون الجنسية من دون استثناء»، يبقى المشهد مثيراً للاهتمام. إنها واحدة من المرّات النادرة في لبنان التي «يتجمّع» فيها مواطنون لدعم جهود وزير. بل إن إحدى السيدات المشاركات في «التجمّع» لا تمنع نفسها من السؤال: «ليش محمّس الوزير هالقد؟».
يتقدّم الوزير باتجاه المواطنين، فيستقبلونه بالتصفيق، ويعدهم بأن ينزل ليحكي معهم ما إن ينهي اجتماعه بوفد الحملة. وهذا ما كان. يستقبل بارود الوفد نحو نصف ساعة. يتحدّث مع ممثلي الوسائل الإعلامية وقتاً مماثلاً. ثم ينزل مجدداً ليتحدّث مع المشاركين في التجمّع ويؤكد لهم أنه فرد من حملتهم، وأنه سيقوم بما يترتب عليه في هذا الإطار. التصفيق يتجدّد، مع هتاف المصفقين «من دون استثناء»، الذي يرافق صداه خطى الوزير وهو يقفل عائداً إلى مكتبه ليلتحق بموعد آخر تأخّر عليه.
توحي هذه الأجواء بإيجابية كبيرة في التعاطي مع شأن مطلبي، أو بالأحرى مع تحرّك يعيد حقاً لأصحابه، مهدور منذ عام 1925، وهو الاعتراف للمرأة اللبنانية بمواطنتها الكاملة غير المنقوصة. لكن المتابع لهذا الملف لا يمكنه أن يكتفي بهذه الأجواء الإيجابية، التي التقطها الإعلام بالصوت والصورة والقلم، لكي يشعر بأن حلاً سحرياً يمكنه أن يطال فجأة موضوعاً أنهكته التجاذبات السياسية، محوّلة حياة آلاف العائلات في لبنان إلى جحيم عاطفي واقتصادي وأمني أيضاً.
لهذا، كان لا بد من الإصغاء بهدوء إلى كلام الوزير وهو يؤكد أحقية هذا المطلب وضرورة الاستمرار في العمل لإنجازه. وفي هذا الإطار، أكد ما ورد في المذكرة التي تسلّمها من مديرة «سي أر تي دي» لينا أبو حبيب، لجهة القول إن المشكلة هي في الاستثناءات أو الاعتراضات التي برزت خلال نقاشات نيابية تناولت موضوع حق المرأة اللبنانية المتزوجة من أجنبي بمنح جنسيتها لعائلتها. وقد أوضحت أبو حبيب هذه الاستثناءات: المتزوجات من فلسطينيين، مبدأ المعاملة بالمثل واستثناء الزوج من الجنسية، مضيفة إليها استثناءً رابعاً لم يرد في المذكرة، لأنه لا يزال في إطار الشائعة، يطال اللبنانيات المتزوجات بعراقيين أيضاً.
إذاً، أكد بارود أن المشكلة تكمن في الاستثناءات، مشيراً إلى أن وزارة الداخلية تقدّمت بمشروع قانون للجنسية يتعلّق بالأولاد من جهة، والزوج الأجنبي من جهة ثانية.
بالنسبة إلى الأب، لفت بارود إلى إمكان حصول الزوج الأجنبي على جنسية، لكن ضمن ضوابط معينة يعمل عليها تجنباً لما يسمى زيجات بيضاء أي شكلية «كما هو موجود في كلّ دول العالم».
أما بالنسبة إلى الأولاد، فقد لفت بارود إلى وجود رأيين. الأول يرفض استثناء أي طفل من حقه في الحصول على جنسية أمه اللبنانية، لأن رابطة الدم من ناحية الأم تنسجم مع مبدأ المساواة. أما الرأي الثاني فيرتبط بنص دستوري يمنع التوطين، وبعض أصحاب هذا الرأي يرفضون إعطاء الجنسية لمن يتعارض وضعه مع أحكام الدستور لجهة التوطين (قاصداً الفلسطيني من دون أن يسميه).
يعرض بارود إذاً هذين الرأيين، ثم يقول إنه ضمّنهما في الكتاب الذي رفعه إلى مجلس الوزراء. فهل يعني هذا أن مشروع القانون المقدّم من الوزارة لحظ الرأيين أيضاً؟ وإذا كانت الإجابة نعم، كما يمكن الاستنتاج من حديث الوزير، فكيف يتفق إرسال هذين الرأيين مع مطالب حملة «جنسيتي» القائمة أصلاً على رفض الاستثناءات التي تتناقض مع حق النساء اللبنانيات بالمساواة التامة في المواطنة، الأمر المكرّس بالمادة السابعة من الدستور.
في المؤتمر الصحافي أمس، لم يكن ممكناً الحصول على إجابة عن هذا السؤال، ما دام أنه لا يمكن الإعلان عن مسودة المشروع الجاهزة، كما يؤكد بارود، إلا بموافقة رئيس مجلس الوزراء. بارود أكد أيضاً حظوظاً كبيرة لإنجاح إقرار هذا المشروع بأكثرية الثلثين في الحكومة، قبل تحويله إلى مجلس النواب.
هناك، وفي سياق موازٍ، كان النائبان بهيج طبارة وبيار دكاش يتقدمان من رئيس مجلس النواب باقتراح قانون لتعديل الفقرة الأولى من المادة الأولى من قانون الجنسية اللبنانية، بحيث تصبح: «يعدّ لبنانياً كل شخص مولود من أب لبناني أو من أم لبنانية»، أي إنه يستثني الزوج الأجنبي من حقه في الحصول على جنسية زوجته.
بين الحملات الثلاث المطالبة بحق المرأة اللبنانية، واقتراحات النواب واحتضان الوزير، يبقى القرار الفصل في عهدة السياسة التي لم تنصف اللبناني يوماً. فكيف إذا كان الأمر على أبواب استحقاق انتخابي تُعتمد فيه العنصرية كأحد أبرز شعارات الحملات الانتخابية؟