في مجمع سيد الشهداء في الضاحية الجنوبية، تتيح جمعية كشافة المهدي للأطفال، من خلال «المحترف الفني للأنشطة التعبيرية»، فرصة المشاركة في أكثر من 28 نشاطاً موجّهاً، ترمي جميعها إلى تعزيز ثقتهم بأنفسهم وإلى اكتشاف المواهب الكامنة فيهم بهدف تنميتها
محمد محسن
تشبه ضحكات الأطفال حين يهمّون بدخول «المحترف الفني للأنشطة التعبيرية»، في مجمع سيد الشهداء، ضحكاتهم وهم يسمعون خبر ذهابهم إلى مدينة الملاهي. يخرج الطفل علي شومان مبتسماً، حاملاً هديّةً من المحترف. لا يتعلّق الفرح بحيازة الهدية المجانية فقط، بل بطبيعة الأنشطة التي شارك فيها. فالأطفال يسددون رسماً رمزياً، (2000 ليرة)، لقاء الدخول وممارسة أي نشاط من النشاطات الثمانية والعشرين المتاحة.
هي النسخة الثالثة من نوعها التي تنظمّها جمعية كشافة المهدي، لكنّها الأولى من حيث الضخامة وعدد الأنشطة، إذ ينتشر أكثر من ثمانية وعشرين جناحاً لأنشطة تعبيرية، تتجاور في ساحة تصل مساحتها إلى ستة آلاف متر مربّع.
يرتدي حسين دهيني ثوب الحكواتي ويبدأ بسرد قصّة في جناح «مكتبتي». يستمع إلى حسين أطفال في السنّ نفسها، يتأهّب بعضهم ليخلفه على كرسي الحكواتي، كما يجلس آخرون في غرفة محاذية، يستمعون إلى حكاية ترويها إحدى الكشفيات.
تختلط الأصوات في المحترف، فبين أصوات الطبول والأبواق الكشفية الآتية من محترف الموسيقى، وبين ارتفاع أصوات الأطفال على المنبر الذي يخطب منه السيّد حسن نصر الله، تحتار من أين تبدأ، وخصوصاً أنّك تمرّ بمحترفات الزراعة والتدبير المنزلي وأنت تجول في المكان. أما في الجهة الشرقية، فرسوم عفوية وقفز «الرابيل» ونشاطات علميّة وفنون تصويريّة.
أمام «الأورغ» الموجود في جناح الموسيقى، تعلو حدّة التحدّي بين هيثم ونور، وسبب التحدّي هو «تتحدى مين بيعزف الأناشيد أسرع من التاني؟»، يقول هيثم مستثيراً رغبة نور في التحدّي، تحت مراقبة المدرب الهادئ، الذي يشرح طريقة العزف الصحيحة.
ليس بعيداً من الموسيقى، محترف زراعي، استقطب بدوره الكثير من الأطفال. لا تحتار أماني عواركة بين بذرة اليقطين وبذرة الورود الزهرية، فتختار الأخيرة على الفور، وتزرعها في جرّة صغيرة تحت عين مشرفات متخصصات في الإرشاد الزراعي، فيعطين نبذةً للأطفال عن الزراعة وتربية النحل، وكيف ينبغي لهم أن يتابعوا زراعة ما يأخذونه معهم إلى المنزل، في سلال تقدّم مجاناً.
إلى الأمام قليلاً، تستقبل إحدى الكشفيات مجموعة أطفال غالبيتهم من الإناث، والسبب؟ جناح التدبير المنزلي و«الإيتيكيت». تنجح سهى سحمراني في تنظيم الغرفة بسرعة، فيما تواجه نيفين عمّاش بعض الصعوبات في ترتيب طاولة الطعام وفقاً لنظام «الإيتيكيت»، ما يجبر المرشدة على القيام بدورها، والبدء بشرح كيفية وضع الشوكة والسكّين والورود والمناديل. في الجهة المقابلة، يقف تحت جبل «الرابيل» أطفال كثر، بهرتهم صورة المقاومين في احتفالات يوم القدس العالمي، فتغلّب الإبهار على خوفهم من السقوط.
هكذا، يبدأ موسى شعيتو تدريباته «لأصبح مقاوماً»، فصورة المقاومين وهم يقومون بهذه اللعبة «بتجنّن وأنا بدّي صير متلن». على المنبر، لا تبتعد صورة المقاومة، بل يشتد حضورها كلّما اقتربت، ففي المكان ذاته حيث يلقي قائد المقاومة خطاباته، يقف الأطفال محاكين سلوكه، محاولين التمثل به وهم يلقون الأشعار أو النثر. بالنسبة إلى محمد هاشم، المهم في المحترف «أني أقف في المكان نفسه الذي وقف فيه السيّد»، فيما يبدي محمد علوية اهتماماً أكثر بالمسرح، مرتدياً لباس الفلاح، مؤدياً دوراً ارتجالياً، لا تتجاوز مدّته دقيقةً ونصف.
في محترف الرسم، يترجم الأطفال مواهبهم، يستخدمون الألوان التي يحبون، ولو في غير موضعها. معظم رسوماتهم عفويّة، وسياسية الهوى، يتصدرّها ملصق لوزيرة الخارجية الأميركية السابقة لطّخوه باللون الأحمر، وكتبوا عليه «من سأقتل في البداية لبنان أم فلسطين؟».
في هذه الفسحة، يعبّر أطفال كثيرون عن ميولهم، بينما تعد الجمعية بمساعدة الموهوبين على تنمية مواهبهم. أما عند نهاية اليوم الطويل في المحترف، فيجمع العديد من الأطفال أن زيارةً واحدة لا تكفي، معللين النفس بالعودة مجدداً، وخصوصاً أن الفعاليات مستمرة حتى الثالث من أيار.


الهدف
تنمية المواهب


يوضح عمار جواد، مسؤول مفوضية بيروت في كشافة المهدي، أن النشاط الذي يتوقع أن يشارك فيه حوالى 40 ألف طفل يرمي إلى هدفين: تعزيز الثقة بالنفس عند الأطفال والبحث عن المواهب لتطويرها، إذ يمنح الطفل فرصة المشاركة في دورات تدريبية متخصصة ومجانية في المجال الذي تبرز فيه موهبته.


أنهى محمد هزيمة تدريباته في جناح الموسيقى، لكن موسيقى الكشاف لم ترقه، فانتقل إلى الأشغال اليدوية. جمع حبالاً ملوّنة وربطها على أعناق المسامير المثبّتة على أطراف لوح من الخشب. كرّر العملية مراراً. فهنا الخطأ مسموح، على عكس اليأس


نظر محمد الحسيني إلى المصوّر، تعلّم منه بعض المبادئ بسرعة. أمسك الكاميرا، حرّك عدستها في جميع الاتجاهات محاولاً التقاط صورة. يتمنّى محمد دراسة التصوير في المستقبل، أما أكثر ما ينوي تصويره، فهو «الطبيعة والسيد حسن»، يقول مبتسماً