بنت جبيل ــ داني الأمينحملت أمّ محمود إسماعيل سكّين مطبخها، وتوجّهت إلى حقول مجاورة للموقع الإسرائيلي السابق في بلدتها برعشيت، من أجل قطف أعشاب «الخبيزة» و«الهندباء» و«الصعتر البري» التي تنمو في هذا الوقت من كلّ عام.
في السابق، لم تكن أمّ محمود تجرؤ على الوصول إلى هذا المكان، بسبب انتشار الألغام في محيط الموقع. أما اليوم فهي لم تعد خائفة لأن «قوات الأمم المتحدة نظّفت الأرض من هذه القنابل، وأصبح الجميع يمرّون في الحقول ويزرعونها، والكثير من الأهالي بنوا بيوتهم قرب الموقع». لكنها تستدرك: «لقد نزعوا القنابل والألغام خلال عامين كاملين، لكن بعض الأماكن المحيطة بالبلدة لم تنظّف».
هذا الاستدراك هو السبب الذي يجعل حركة النسوة، اللواتي اعتدن ارتياد الحقول البعيدة عن مناطق السكن، خفيفة لهذا العام. كما يدفع الكثير من الأهالي إلى منع أطفالهم من الوصول إلى الحقول البعيدة، رغم كل التطمينات. صحيح أن الكثير من الأراضي الجنوبية تم تنظيفها من القنابل العنقودية، لكن بقيت أماكن لم تصلها الفرق الخاصة لنزع الألغام، وخصوصاً الأراضي المحيطة ببلدات: عيترون، رميش، تبنين وبرعشيت.
هناك، يعمل البلجيكيون ما بوسعهم لإنجاز المهمة في أسرع وقت ممكن، وقد حققوا تقدماً ملموساً في ذلك كما يقول منسق أعمال القوات البلجيكية في تبنين فواز فواز، موضحاً: «لقد تم تسليم الكثير من الحقول التي زرعت بالقنابل العنقودية في حرب تموز إلى أصحابها في 29 تشرين الأول الفائت، وبلغت مساحة المنطقة المنظّفة أكثر من 500 ألف متر مربع، وهي الحقول الواقعة جنوب شرق تبنين، باتجاه بلدة برعشيت. واستمرّ عمل القوات البلجيكية فيها أكثر من سنتين». لكن هذا لا يمنع من شعور أهالي بلدة عيترون مثلاً، بالخوف الدائم. فأهالي البلدة يعتمدون بأغلبهم على الزراعة، ويستغلون جميع حقولهم لزراعة التبغ والحبوب وغيرها، لكن القنابل العنقودية في تموز 2006 منعت الكثيرين منهم من التوجه إلى حقولهم. آلاف الأمتار من الأراضي لا تزال مزروعة بالقنابل العنقودية، ولم يُعمَل حتى الآن على تنظيفها، إلا في الحالات الطارئة، كما يقول الحاج نجيب قوصان، نائب رئيس بلدية عيترون. ويتابع «بعض المنازل ما زالت تحاط بهذه القنابل، وقد أدى انفجار بعض القنابل العنقودية إلى جرح مواطنين من البلدة وإبادة أكثر من 15 رأس غنم وماعز».
ورغم تنظيف بعض أراضي البلدات الجنوبية من القنابل العنقودية، إلا أن الأهالي لا يزالون يخافون من العمل في أراضيهم، وخصوصاً بعد إصابة المواطن حسين زين الدين من بلدة صفد البطيخ جرّاء انفجار قنبلة عنقودية، أثناء عمله في تعبيد طرقات بلدة الطيري. وفي بلدة رميش، أصيب المواطن طوني إبراهيم العميل بجروح بالغة نتيجة انفجار جسم غريب. وفي هذا السياق، جدير بالذكر أن أغلب البلدات التي زرعت فيها القنابل العنقودية، غير مؤهلة لإسعاف الجرحى فوراً، ما يستدعي نقل الإصابات إلى مستشفيات بعيدة في بنت جبيل، أو مناطق صور وصيدا وغيرها.


275 ضحية منذ حرب تموز

خلّفت إسرائيل، بعد عدوانها على لبنان في تموز 2006، الذي استهدف ما لا يقل عن 155 قرية، ما يقارب 1,2 مليون قنبلة عنقودية غير منفجرة، منتشرة في ما لا يقلّ عن 950 بقعة مشبوهة تم تأكيدها. وتمتد هذه البقع على مساحة تصل إلى 37 مليون متر مربع. وقد أدى ذلك إلى سقوط ما لا يقل عن 275 ضحية بين قتيل وجريح منذ وقف إطلاق النار في آب 2006 بسبب هذه القنابل العنقودية والمخلفات الحربية، نصفهم من الأطفال.
ورغم عمليات إزالة الألغام، لا يزال خطر هذه القنابل قائماً، ويتطلّب توفير الدعم والجهود اللازمة لإزالتها ومعالجة آثارها وخصوصاً في ظلّ الإصرار الإسرائيلي على عدم تقديم خرائط بالأماكن التي زرعت فيها الألغام.