الياس خليلقدر أهالي بريح المهجرين أن يعانوا الحرمان بعد الحرمان. حُرموا العيش الآمن في بلدتهم التي هجّروا منها بعد تعرضهم لاعتداءات إن في كنيستهم، حيث سقط لهم قتلى وجرحى، وإن في البيوت حيث جرت تصفية الآمنين العُزَّل فيها، وإن على طريق بلدتهم، حيث خُطف لهم شباب لم يُعرف مصيرهم حتى الآن. حرموا بيوتهم التي نُهبت محتوياتها، ودُمّرت وسُرقت حجارتها لتُستعمل في بناء بيوت المقيمين من أهل البلدة وطرقات المنطقة، ولم يبقَ منها إلا قسم ضئيل استولى عليه المقيمون. حُرموا حقهم في استثمار أملاكهم وأرزاقهم التي عاث فيها المقيمون تخريباً فقطفوا أشجارها، وشقّوا فيها طرقات، وشيّدوا عليها أبنية ضاربين عُرض الحائط بقانون الملكية. حرموا حقهم في العودة إلى قريتهم والاستفادة من التعويضات التي رُصدت للمهجرين وأهالي الشهداء، إذ جرى الاستيلاء على هذه التعويضات لتوزّع مكافأة لمَن كان السبب والمنفّذ للتهجير.
وها هم اليوم بعد مرور ثلاثين سنة على اقتلاعهم من جذورهم يتبلّغون كسائر اللبنانيين وجوب الاقتراع في بلدتهم، في المدرسة الرسمية، أي في مكان لم تطأه أقدامهم منذ ما قبل التهجير. وكأننا بالمسؤولين يجهلون أن أهالي بريح لا يزالون مهجّرين، أو لعلّهم يريدون حرمانهم حقّهم الباقي لهم في تسجيل موقف عبر الاقتراع لمَن يحق له أن يمثّلهم في البرلمان مهما كانت حظوظه بالنجاح. ولم يبقَ لهؤلاء المهجرين المنسيّين المهمّشين إلّا أن يواجَهوا بحرمان من نوع آخر وهو «الحرم الكبير»، ولذلك تجاسروا ورفعوا الصوت عالياً في وجه مرجعياتهم الدينية، مندّدين بصمتها عن مأساتهم، وتنصّلها من واجب الدفاع عنهم، وتساهلها مع جلّاديهم من تجار الهيكل... فيستحقون عندئذٍ، وبجدارة، لقب «المحرومين»... فهل يجرؤون؟