حمزة منصور«أنا على استعداد لأن أضحّي بحياتي ثمناً لقول كلمتك أيها الإنسان العزيز». عبارة قالها ليبيرالي متأنّس بالفكر وقوامه ومتروحن بشفافية الإنسان ومتعقلن بالعقل وأدواته. هذه التضحية وهذا الإيثار، أيها الأخ العزيز، يستوطن هناك في (أوروبا) العلمانية حيث الشجر يثمر في الشوارع ولا قاطف له إلا تعاقب الفصول. أما هنا في بلاد الأرز وموطن الحرف والخزف وصناعة الكتب، فللديموقراطية نكهة أخرى أين منها توابل الهند وحضارة السند.
إنها بلاد الكيمياء، وتغيير المعادلات، فهنا مسموح لك الكلام ما دام الأمر كلاماً، وما دامت الحال حالاً لم يمسها سحر أو شعوذة أو رُقى أو فعل جان. لندخل في الكلام الحسام حيث التعاقد صار لعنة وموتاً زؤاماً، وكيف لا والمتعاقد تحت رحمة السلطان يضرب السلام في الذهاب والإياب، مطأطئ الرأس (المتعاقد) للقمة الخبز، وكيف لا، ولا ضمان ولا بدل نقل ولا أجر، فقط المطلوب استزلام، والرقبة تحت سيف السلطان، تتقاذفها الفرامانات الشوفينية والارتجالية، فأهلاً بكِ أيتها الديموقراطية، لكنك أين أنتِ وأختك الحرية التوأم العدالة الاجتماعية...
«إن القانون كبيتِ العنكبوت تعلق به الحشرات الصغيرة وتعصف به الكبيرة». رحم الله عبارتك أيها القائل مقولتك، فهنا القانون يتسلط على المتعاقد، هذا الذي تعاقد مع الوطن لتخريج أبنائه للحرية وللعلم وللحضارة، فخرّج العلماء والمقاومين وأصحاب العقول النيّرة الحرة المتحررة المتحضّرة، ولم يكن له همّ إلا سد رمقه ورمق أولاده. ألا يستحي هذا القانون عندما يكشّر عن أنيابه في وجه أبهى خلق الله وأشرفهم بعد الأنبياء والرسل والصحابة والقديسين الأطهار؟
لماذا يضحكون على الوطن وعلى النشء وعلى الشعر وعلى التربية عندما يتحفوننا ويجودون علينا بمناهجهم «القديمة والجديدة» في تعليم أبنائنا ببيت الشعر العزيز:
قُمْ للمعلّمِ وفّهِ التبجيلا كاد المعلمُ أن يكون رسولا نحن يا «عمدة التربية» لا نطمع إلى أن نكون رسلاً، فللّه حكمته في ذلك، نحن نطمع فقط إلى تغيير بيت الشعر وتحويره ليكون كالتالي:
قُمْ للمعلّمِ وفّه التجبيلا كاد المعلمُ أن يكون ملاكا
على المقلب الآخر، أليس في الميدان إلا حديدان؟ أين كان مجلس الخدمة المدنية عندما أدخل إلى ملاك التعليم أكثر من 300 معلم، وكان سبب دخولهم آنذاك أنهم (غلطوا) وقدموا طلباتهم في مبنى مجلس الخدمة المحترم؟
وأين كان ويكون مجلس الخدمة عندما يعلن عن عشرات المباريات لمختلف الوظائف وفي مختلف الوزارات (آخرها وظائف وزارة الاقتصاد) ولا يطلب من المرشح المتقدم للوظيفة ومقدم الطلب سوى الخضوع لمقابلة شفهية يجريها أحد اختصاصيي هذا المجلس؟
أما حين يتعلق الأمر بالمتعاقد، متخرج الجامعات اللبنانية، التي أعطته (أي هذه الجامعات) إجازة تعليمية وخوّلته الدخول للتعليم (ليس في هذا البلد غير التعليم مجالاً للعمل)، فإن غضب الله وملائكته و(مجلس خدمته) تنزل على رأس متعاقد، لتسمعه الأحكام والقوانين، ولتشنّف آذانه بالأختام والأحكام أين منها قراقوش، وحمورابي، والعم سام، متناسية خدماته لعشرات السنوات وجاهلة تفانيه وعمره المدفون في الصفوف بين الطاولات وكأنها صارت نعشاً لجسده يحضّره بيديه المهترئتين بالطبشور، ومع ذلك يبقى الوطن هو الأساس!
ثم يقولون لنا إن الوطن هو الأساس، وإنه القانون، فمرحى بك أيها القانون، مَن أوجدك، أوليس الإنسان؟ ولماذا أوجدك أو أوجدوك؟ أليس لتسيير وتنظيم الشأن العام؟ أم ترانا مدفوعين لتصديق ذلك القائل: «القانون قانون الأقوياء لحكم العبيد والضعفاء»، نعم إنه بيت العنكبوت.
فعذراً أيها النشء من ثورة النفس، فالحياة عزيزة لكن العزّة تبقى كنز الشرفاء، واختيارنا للتعليم كان محضر إرادة وخيار، ودرباً صنعناه لأنفسنا ليبقى الوطن شامخ الرأس في إباء.