في أبراج لعبة «زولغوروب» التي يتردد عليها كثيراً عشاق اللعبات الإلكترونية، قد توفر هاكار ذا سولفلاير (وهي حية عملاقة بجناحين) أدلة مهمة لاختصاصيي علم الأوبئة الذين يحاولون التكهن بالأثر الذي يمكن أن يحدثه تفشي وباء ما. في سبتمبر أيلول عام 2005 أحدث وباء «الدم الفاسد» حالة من الفوضى في اللعبة الإلكترونية «وورلد أوف ووركرافت» التي تمتعت بشعبية هائلة. في مقال نشر في دورية «لانسيت» للأمراض المعدية، كتبت نينا فيفيرمان وإيريك لوفجرين من كلية الطب في جامعة تافتس أن الواقعة «أثارت احتمال كسب محتوى علمي قيّم من هذا الخطأ غير المقصود في اللعبة» حيث توفر نظرة على أوبئة العالم الحقيقي.في البداية، لم يكن بالإمكان مواجهة المرض إلا من اللاعبين المتقدمين نسبياً الذين اخترقوا بعمق برجاً جديداً في جزء من تحديث للبرمجيات. ومن بين القوى الهجومية المتعددة لهاكار القدرة على نشر وباء «الدم الفاسد». أما قدراته الأخرى فتشمل «فيضان الدم» و«إحداث الجنون».
معظم اللاعبين الذين بلغوا هذه المرحلة كانوا من القوة بمكان، بحيث استطاعوا الصمود أحياءً، ولم يكن من المفترض قط أن يتوقف انتشار الوباء إلى أبعد من هذا، لكن كما في الكثير من الأحداث العالمية الحقيقية لم تسر الأمور وفقاً للخطة.
تسمح «وورلد أوف ووركرافت» للاعبين بنقل أنفسهم من مكان إلى آخر فوراً. ويُخرج بعض اللاعبين المصابين أنفسهم من البرج إلى المدن حيث يبدأ الضحايا الأضعف في التساقط سريعاً كالذباب. كذلك تسمح اللعبة للاعبين بامتلاك حيوانات أليفة يمكن استبعادها واستدعاؤها عند الطلب. وأدت هذه الحيوانات الأليفة دوراً أساسياً في نشر الوباء إلى خارج البرج.
وفيما ينتمي الانتقال الفوري من مكان إلى آخر والحيوانات الأليفة السحرية إلى عالم الخيال، تُجمع دراسات على أن هذه التطورات تحاكي الخصائص المحتملة للأوبئة الحقيقية.
المخاطر المتمثلة بانتشار الأوبئة من خلال وسائل النقل العالمية السريعة، هي عوامل أساسية قد تحدث عند تفشي الأوبئة في العالم الحقيقي.
أثر الانتقال الفوري من مكان إلى آخر في هذه اللعبة «يحاكي دور السفر جواً في الانتشار العالمي السريع لمرض التهاب الجهاز التنفسي الحاد (سارز)»، بينما يحاكي الخراب الذي تحدثه الحيوانات الأليفة المصابة الدور الذي أداه البط، والذي لا تظهر عليه الأعراض في نشر أنفلونزا الطيور بين الطيور. قبل وقت طويل كان المرض مستشرياً في أنحاء العالم الإلكتروني.
كتبت فيفرمان ولوفجرين: «انتشر المرض سريعاً في العواصم ذات الكثافة السكانية المرتفعة، ما سبب معدلات وفيات مرتفعة»، في منتديات وألعاب شبكة الإنترنت وصف اللاعبون مشاهد دمار. وقال أحدهم إن العالم الإلكتروني «امتلأ بالجثث عن آخره».
وأضاف اللاعب: «كانت في المدينة شوارع تحولت إلى اللون الأبيض بالفعل بسبب عظام القتلى». وتظهر لقطات مصورة شخصيات اللعبة، وهي تسير في شوارع مهجورة تتناثر فيها الهياكل العظمية.
وتقول فيفرمان ولوفجرين: «يبدو أن جوانب غير حميدة من عالم اللعبة يعكس كل منها مباشرة جانباً من علم الأوبئة في العالم الحقيقي».
ما جعل وباء «الدم الفاسد» مثيراً للغاية هي الطريقة التي تجاوب بها اللاعبون، فأمكن التعرّف إلى رد الفعل النفسي تجاه الوباء، هكذا هرع بعض اللاعبين بإثارة للمساعدة، مستخدمين «وسائل» الشفاء التي يتمتعون بها.
وجاء في المقال المنشور بدورية لانسيت أن «سلوك اللاعبين قد يكون من الأسباب التي أدت إلى إطالة أمد الوباء أو حياته وغيّرت من دينامياته، فقد أُبقي «الأشخاص الافتراضيون» على قيد الحياة لمدة تكفي لمواصلة نشر المرض. كذلك زاد عدد المصابين بالمرض، لتصبح قدرتهم على نشر العدوى عالية، وبالفعل فإنهم في هذا العالم الافتراضي ينتقلون من دولة لأخرى».