راجانا حميةقبل ثلاثة أسابيع، سقط بشارة، العامل في إحدى ورش البناء، من الطبقة الثالثة. بُترت ساقه اليمنى، ولم يعد قادراً على الوقوف، لا على خشبة «السقالة» ولا في أي مكانٍ آخر في الورشة. ساق واحدة، «لا لزوم له في ورشة بناء». انتهت صلاحيّته، بتقرير سقط عليه كما يسقط حجر على الرأس «لا لزوم له»، يقول. انتهى بشارة معوّقاً في منزله، من دون عمل أو تعويض. هكذا، ببساطة، تنتهي الحادثة. ولو أنّ بشارة مات لحظة السقوط، لكانت العبارة تقريباً نفسها «مات، لا لزوم له». بشارة، الرجل المعوّق الآن، لن يكون الضحيّة الأخيرة في مسلسل السلامة العامّة لورش البناء. سيسقط آخرون، وسيمرّ سقوطهم وموتهم مروراً عابراً. حوادث سقطت وأخرى تسقط ضائعة بين لا مبالاة أصحاب ورش البناء بسلامة عمّالهم ومراسيم تنظيم الحماية والسلامة المهنيّة التي، إن وُجدت، لم تحظ بمراسيم تطبيقيّة لها. آخر المراسيم التي صدّق عليها مجلس الوزراء في الثالث عشر من كانون الأوّل الماضي هو المرسوم الرامي إلى تأليف «لجنة اعتماد المدققين الفنيين لتطبيق شروط تأمين السلامة العامة في الأبنية والمنشآت وفي تجهيزات المصاعد والوقاية من الحريق والزلازل». في المبدأ، يُفترض بهذه اللجنة أن «تسهر على تطبيق بنود المرسوم 14293 المتعلّق بتأمين هذه السلامة، إضافة إلى تفعيل دور جهاز الرقابة والتفتيش والسلامة العامة في وزارة العمل»، بحسب ما يشير رئيس نقابة عمال البناء كاسترو عبد الله. لكن، كي تقوم هذه اللجنة بدورها، من الواجب أن يُنجز مرسوم تطبيقي بتأليفها.. وهو ما لم يحدث إلى الآن. ولو أنّ هذا المرسوم صدر، لكان على الأقل «وفّر في عدد الضحايا»، كما يعلّق عبد الله.
خمسة أشهر، والقرار بتأليف هذه اللجنة لم يصدر بعد. وربّما كان تأثير هذا التأخير أخفّ وطأة من التأخير في تطبيق المرسوم 14293 الذي صدر في 11 آذار من عام 2005، والذي عُدّل بالمرسوم رقم 337، على أن يُصبح نافذاً في 31 أيار من عام 2007، بحيث يعطى لأصحاب الأبنية مدة سنة للتقيّد بشروط السلامة المهنيّة.
ولم يصبح نافذاً، لا المرسوم ولا اللجنة أيضاً. وما يزيد الطين بلّة هو أنّ جهاز الرقابة والتفتيش في وزارة العمل لا يزال وقفاً «ع مفتّش عمل وحيد» في بيروت، على الرغم من «صدور مرسوم بتعيين 27 مفتّش عمل ورئيس دائرة، كانوا قد أجروا مباراة منذ فترة عن طريق مجلس الخدمة المدنية»، بحسب ما أشار المدير العام لوزارة العمل بالإنابة عبد الله رزّوق. ويضيف رزّوق أنّ هذا التأخير في تعيينهم يعود إلى «أنّ الوزارة بصدد تنظيم دورات لتأهيل هؤلاء، تمهيداً لتسليمهم مهماتهم في جهاز التفتيش». ولئن كان رزّوق يحمّل جهاز التفتيش في الوزارة جزءاً من المسؤوليّة في الحفاظ على السلامة المهنيّة، إلا أنه يجد في الجهة المقابلة «أنّ تحمّل هذه المسؤولية يستلزم إعادة النظر في مخصصات هذا الجهاز».
إذاً، جهاز تفتيش يعاني نقصاً حادّاً في المفتّشين والمخصّصات.. و«معدوم»، بحسب ما يشير كاسترو عبد الله، ولجنة اعتماد مدقّقين للسلامة العامّة لم يُفرج عن مكوّناتها إلى الآن، وقطاع البناء أصبح قطاع «أشغال شاقّة»، يسقط ويموت فيه عمال لا أحد يدري بهم، وتعبر أخبار سقوطهم بصمت، وإن حالف الحظّ أحدهم، فقد يمرّ خبر سقوطه.. أو موته في زاوية «المتفرّقات» في الجرائد. هذا أقصى ما قد يحصل عليه. أما خبر لجنة التدقيق أو تفعيل جهاز التفتيش، «فعلى الله التوكّل».


لجنة الصحة والسلامة المهنية

كثرت اللجان التي تهتمّ بالصحّة والسلامة المهنيّة في الأبنية والمنشآت، حتّى وصلت إلى حدّ التخمة، من دون أن يكون لها دور يُذكر في الرقابة والحماية. فإضافة إلى لجنة المدققين الفنيين التي لم يصدر مرسوم تطبيقي بشأنها، تنتظر وزارة العمل صدور المرسوم التطبيقي للجنة الصحة والسلامة المهنية. وتتألف اللجنة من ممثّلين عن الوزارة والعمال وأصحاب المؤسسات. وكما هي حال لجنة المدققين، تختص هذه اللجنة بمراقبة تطبيق بنود المرسوم المتعلق بشروط تأمين السلامة العامة في الأبنية والمنشآت والمصاعد والوقاية من الحريق والزلازل. أما ما يميّزها عن لجنة المدققين فكونها لجنة خاصّة بوزارة العمل. أما لجنة المدققين، فقد تشمل، إضافة إلى العمل، وزارة الأشغال وعدداً من النقابات، كما يعتقد كاسترو عبد الله.