لا يقتصر اهتمام الكثيرين من الطلاب على دراستهم فقط. ثمّة همّ بديهي آخر، يعدّون جزءاً كبيراً من وقتهم لأجله. فقد بات العمل إلى جانب الدراسة، ضرورة مرهقةً تواجه الطلاب، وخصوصاً في ظل معرفتهم المسبقة، أنّ إجازة الجامعة لا تكفي وحدها، لـ«تأمين» المستقبل ولا حتى الحاضر
محمد محسن
يبدو همّ العمل أثناء الدراسة مؤرقاً للطلاب. فهو، وإن حفل بمجموعة من القيم المضافة التي تسقطها الموروثات الاجتماعية على مزاوله وتتعلق بوصفه «شاب قد حالو» في حالة الطالب أو «أخت الرجال» في حالة الطالبة، إلا أنه يقتطع وقتاً كبيراً يؤذي المستقبل الدراسي أو بالحد الأدنى يؤخّر حلوله، وهذا ما لا يتفهّمه المجتمع
ليعامل الطلاب الذين يعملون إلى جانب متابعة دراستهم وكأنهم متخاذلون أحياناً أو كسالى.
فهؤلاء الطلاب يضطرون للتغيب عن محاضراتهم أحياناً ثمناً للعمل، وإن حضروا، يطبق النعاس على جفونهم، فيفقدون تركيزهم في قاعات الدراسة، فيما يدفع المهتمّون بالتركيز على المحاضرة ضريبة وجع الرأس، وثمن دواء يعالجه، باستمرار.
هذا ما يحدث يومياً، مع كاتيا سبيتي، التي بدأت بالعمل نادلة في أحد المطاعم، مع بداية عامها الدراسي الثاني في كليّة العلوم. لم تشفع محاولاتها المتكررة في الجمع بين الدراسة والعمل، إذ يتزامن دوام العمل في فترة ما بعد الظهر لثلاثة أيام في الأسبوع، وهو ما يطيح دوامها الجامعي، كما تروي، مشيرةً إلى أن «شرح أصدقائي لا يكفي». ويزيد من طين مشكلاتها الدراسية بلّة، رفض بعض الأساتذة تفهّم ظروف عملها، وخصوصاً أن ما يضطرها للعمل ليس احتياجها لمصروف إضافي، بل مشاركتها والدها المتقاعد حديثاً في مصروف البيت، مثلها مثل الكثيرين من أقرانها. إذاً، يبدو العمل إلى جانب الدراسة ضرورة حيوية بالنسبة إلى الكثير من الطلاب، يحاول بعضهم أن يكون عملاً مريحاً، يتناسب وطبيعة اختصاصهم، إذا توصلوا إلى إيجاده. طارق شريم هو أحد هؤلاء. يبدي ارتياحه لطبيعة عمله في محل للألعاب، يؤمن له دخلاً يغنيه عن مطالبة والده بمصروف شهري. أكثر ما يريحه في عمله الجديد هو الدوام الذي يبدأ بعد انتهاء دوامه في معهد الفندقيّة.
تبدأ قصّة طارق مع العمل عند الثالثة من بعد ظهر كل يوم، حيث «بمسك المحل للساعة تسعة، وبقبض بالشهر 300 ألف ليرة»، مشيراً إلى أنّه يطمح لإيجاد عمل ليلي يناسب اختصاصه «حتى إتخرّج وكون صاحب خبرة».
تبدو حالة هيثم سلامة مختلفة جزئياً عن حالتي كاتيا وأحمد. الشاب الذي بلغ منتصف العشرينيات، يتابع دراسته حالياً في العلوم السياسية بعدما توقّف عنها قسراً، نتيجة أوضاعه الاقتصادية الصعبة، حيث وجد نفسه مضطراً للعمل «شو ما كان من أجل المساعدة في مصروف المنزل». لم يثبت هيثم على عمل واحد خلال السنوات الستّ التي امتنع خلالها عن الدراسة، إذ تنقّل بين المطاعم ومحال الألبسة وسنترالات الأحياء. رغم مرارتها، يفخر هيثم بتجربته «التي أكسبتني خبرةً لا بأس بها في الحياة، أشعر بأن زملائي في الصف لا يملكون بعض تفاصيلها»، بينما يستقر حالياً في العمل في إحدى المكتبات.
أمّا محمد عباس فيمثّل عينّة يسهل وصفها بالأكبر بين جيش الطلاب العاملين، الذين يشتد وطيس عملهم قبيل الامتحانات الرسميّة، حين يرتفع الطلب على المدرّسين الخصوصيين. ينهي محمد دوامه يومياً في كليّة إدارة الأعمال في الجامعة اللبنانية، ويتوجّه نحو منازل تلاميذه الصغار. لا يبدو الشاب متشائماً حيال مستقبله، فعمله «مؤقت ريثما أتخرّج»، والنقطة المضيئة فيه هي تحكمه، كأستاذ خصوصي، في الدوام.
اتفق الشبّان الذين تحدّثوا لـ«الأخبار» على ضرورة العمل إلى جانب الدراسة، فالزمن لا يرحم، بينما العلم ليس وحده سفينة النجاة.


ما باليد حيلة

يعيش حسان شعيتو حياةً جامعيةً ناقصة، بسبب عمله على دراجة «الدليفيري» في أحد مطاعم الوجبات السريعة. لا يكفيه الراتب الذي يتقاضاه والذي يبلغ 500 دولار، إلا لتلبية احتياجاته الأساسية، والمتعلقة بإيجار المسكن حيث يقطن وحده، بعدما جاء من قرية الطيري الجنوبية، ومأكله وثمن مقرراته الجامعية وأرصدتها القليلة، وهذا ما يدفعه إلى الشك في إمكان حيازته إجازة في التصميم الغرافيكي خلال المدة المحددة لتحصيلها، إذ يتوقع زيادة عام أو عامين، لأن «الراتب الذي أتقاضاه لا يكفيني لتسديد أقساط الجامعة كلها». يضحك الشاب العشريني حين تسأله عن مستوى الترفيه في حياته الجامعية، شارحاً أن «حياتي تعب متواصل وروتين بشع، بس ما قادر غيّر شي».