لا تزال عمليات التنقيب على الآثار في سهل البقاع تجري على قدم وساق فيما السلطات الأمنية، والفعاليات السياسي تغض النظر. هذا ما يؤكده أحد منقبي الآثار، الذي يشرح طرق العمل، وتوزيع الحصص والبيع والتهريب
عفيف دياب
أبو مهدي هو اسم وهمي لأحد منقبي الآثار في لبنان. اسم أعطي له بناءً على طلبه بعدما أدلى «باعترافات» واسعة عن عمله. «28 سنة من التنقيب عن الآثار في سهل البقاع، وفي جنوب لبنان وبعض نواحي شماله، عمل بدأ كهواية ورافقتني منذ طفولتي، ولكنني طوّرتها من خلال قراءاتي ودراساتي عن الآثار وتواريخ الشعوب التي استوطنت سهل البقاع وبعض المناطق اللبنانية الأخرى، وتعلمت أساليب التنقيب وطرقه من مختصين أعطوني بعض الدروس أو ساهموا معي في أكثر من عملية تنقيب وبحث عن القطع الأثرية، إضافة إلى طرق حفظها أو حمايتها».
ويكشف أنه اكتشف أخيراً بعض القطع الأثرية تعود إلى العهد الفرعوني في حقل كان ينقب فيه في سهل البقاع الغربي، رافضاً تحديد المكان وما إذا كان قريباً من كامد اللوز. ويقول: «كنت أنقّب في قطعة أرض خاصة في سهل البقاع الغربي، واكتشفت هذه القطع الفرعونية التي بعتها إلى تجار في فرنسا بعدما أخذ صاحب الأرض نسبة 20 في المئة من المبلغ، وهذه النسبة نتفق عليها مع كل أصحاب الأراضي الخاصة التي ننقب فيها بعد إجراء الكشف بواسطة آلة لكشف المعادن أو من خلال تناثر القطع الفخّارية، كما أنني لا أبدأ بالتنقيب قبل إجراء قراءة ودراسة تاريخية لهذه المنطقة أو تلك، ومن هي الشعوب التي استوطنت هذا المكان أو غيره من الأمكنة البقاعية أو الجنوبية، حيث أجرينا عمليات تنقيب في منطقة كفرتبنيت إذ وجدنا الكثير من القطع اليونانية». ويلفت أبو مهدي إلى أن فرقته المختصة بأعمال التنقيب اكتشفت الكثير من المواقع الأثرية المجهولة عند الدولة اللبنانية ومديرية الآثار». ويقول: «بعد أن ننجز أعمال التنقيب نعود إلى طمر المكان حتى لا يكتشف أمرنا بناءً لطلب بعض المتنفذين الذين يغطون عملنا بعد أخذ حصتهم من القطع المكتشفة أو من المبالغ المالية، ومنذ أيام قليلة اكتشفنا فسيفساء نادرة في منطقة البقاع الأوسط تعود إلى الحقبة الرومانية ولكن للأسف لم ننجح في فكها ونقلها مما اضطرنا إلى إعادة طمر الموقع حتى نؤمن بعض المعدات اللازمة التي تسمح لنا بفك هذه القطعة ونقلها من دون إلحاق أضرار فادحة بها، لا سيما أنها في موقع وعر جداً». ويتابع أنه اكتشف أخيراً أيضاً قرطاً ذهبياً يزن 17 غراماً يعود إلى الحقبة الرومانية، إضافة إلى عدد من التماثيل الفينيقية في سهل البقاع الجنوبي، وأخرى تجسد الملكة كليوبترا في سهل البقاع الشرقي، وقطع بيزنطية ـــــ عربية مشتركة في سهل كفرزبدويوضح أبو مهدي أن ما يكتشفه من آثار وقطع ذهبية أو برونزية وفضية «أحتفظ بها إذا كانت نادرة لتكون من ضمن مجموعاتي التي تضم مئات القطع النادرة وهي غير مخصصة للبيع في الوقت الحالي». ويشير إلى أن القطع الأثرية التي تعود إلى الحقبات الرومانية والبيزنطية تباع إلى تجار أوروبيين، أما القطع التي تعود إلى العهود الأموية والفاطمية والعباسية والسلجوقية فـ«زبائنها من العرب وتحديداً من قطر والكويت، حيث بعنا الكثير من القطع لمشايخ وأمراء عرب هناك».
يرفض المنقب عن الآثار أبو مهدي أن يصطحبنا معه إلى موقع يعمل فيه منذ عشرة أيام في سهل البقاع الغربي «لأنو ما في شي محرز طلع معنا (...) بعض قطع الزجاج وأرضية موزاييك وبعض العملات». يضيف أنه اكتشف في حقل مجاور لإحدى بلدات البقاع الغربي قطعاً مغطاة بالذهب تعود إلى العهد البيزنطي باعها إلى تاجر في فرنسا». يرفض أبو مهدي التحدث عن الطرق التي يعتمدها في تهريب القطع الأثرية المكتشفة إلى خارج لبنان، لكنه يوضح أنه يرتبط بعلاقة مع تجار وسماسرة لبنانيين من بيروت وبعلبك وزحلة، وآخرين أجانب (فرنسيين بالدرجة الأولى) يتولون عمليات الشراء والمبيع بعد أن ينال هو ما يريد من سعر القطعة «عداً ونقداً وبالعملة الصعبة».
ويكشف أبو مهدي أن خبرته خوّلته تقدير الأسعار و«تبقى القطع الأثرية اليونانية هي الأغلى سعراً لأنها نادرة جداً في سهل البقاع ولبنان عامة».
ولا يبدو أبو مهدي خائفاً من أن تورطه اعترافاته بالتنقيب عن الآثار في سهل البقاع وبعض نواحي الجنوب اللبناني، من الملاحقة القضائية اللبنانية؟ لا بل يمزح ضاحكاً: «كيف سيلاحقونني وهم شركاء معي؟ هناك تغطية شبه رسمية لي ولغيري من المنقبين عن الآثار. ففي بعلبك تجري عمليات التنقيب «على عينك يا تاجر» ويستخدمون الجرافات والحفارات علناً، ولكن نحن في البقاع الجنوبي أو في الجنوب فإننا نستخدم معدات بدائية نسبياً». ويتابع «عندما أكون في المنزل وأشاهد التلفزيون مستمعاً إلى نشرات الأخبار أرى بعض القطع الأثرية التي مصدرها فرقتي تزين منازل بعض رجال السياسة من نواب ووزراء وبعض الضباط الأمنيين الكبار والصغار على حد سواء»، رافضاً الإفصاح عن أسماء هؤلاء، ولكنه يضيف مستطرداً أنه شاهد على التلفزيون بعض القطع الأثرية في قصر أحد الملوك العرب مصدرها سهل البقاع و«فوراً عرفت أنها من القطع التي اكتشفتها في البقاع الشرقي». وبات يعرف أبو مهدي بزبائن كل قطعة. فالعملات الإسلامية تباع للأمراء العرب الذين يبحثون عنها والإقبال على شراء هذه القطع النادرة أدى إلى ارتفاع سعرها أخيراً.