جوان فرشخ بجالي
السردالة والضرفية والسلموني والمورقة... كلمات قد يقرأها البعض ويعتبرها أسماء مناطق بعيدة ونائية، ولكنها ليست كذلك: إنها مأكولات لبنانية تقليدية تكاد أن تضيع وتنتسى. ولكن أتى كتاب «من عكار إلى عامل، درب الوجبات اللبنانية البطيئة»، (From Akkar to Amel; Lebanon Slow Food Trail) لمؤلفيه رامي زريق وسامي عبد الرحمن ليؤرخ تلك المأكولات ويروّج لها. الكتاب الذي استغرق التحضير له مدة سنة ونصف هو الأول من نوعه في المكتبات اللبنانية. فنادرة هي الكتب التي لا تهتم بإعطاء الوصفات وطرق تحضير الطعام، بل التي تغوص في تاريخ كل نوع من الأطعمة لمعرفة تاريخها وطرق تحضيرها، ولإطلاع القارئ على مكان تصنيعها بأعلى جودة حالياً في لبنان، مع الإشارة إلى المنتجين الذين لا يزالون يصنّعون هذه المأكولات بطريقة تقليدية.
ويشرح زريق في مقدمة الكتاب عن الفكرة التي ولدت سنة 2007، حينما قاد فريق من طلاب الجامعة الأميركية في بيروت، قسم الزراعة والمأكولات، لاكتشاف تراث المأكولات اللبنانية. يكتب: «بعدما وضعنا لائحة بالمأكولات التقليدية وحددنا أشهر المناطق أو القرى التي تنتج كلاً منها، انتقل الطلاب إلى المناطق وتعرفوا إلى منتجي تلك المأكولات، وقدموا تقارير مفصلة عن كل منتج». تقارير الطلاب استعملت أولاً للنشر في مجلة مؤسسة Slow Food، وفي صيف 2008 انضمت المصورة تانيا طرابلسي إلى الفريق وبدأت الرحلات إلى مختلف المناطق اللبنانية، لتصوير طريقة تحضير كل منتج».
الضرفية هي جبنة من حليب الماعز تنتج في الجبال العالية، مثل منطقة بتلايا في إهدن. ومن خصائص هذه الجبنة أنها توضع في جلد الماعز. أما السردالة التي هي لبنة الماعز والتي لا تزال تصنع في قرية الباروك في الشوف، فلها أسرارها أيضاً. أسرار كشف الكتاب عن بعض منها حين أخبر عن الجرار التي تصنع خصيصاً لهذا الغرض في قرية بيت شباب. أما مقالة القمح السلموني، فتعيد الأمل بطعام صحي. فهذا القمح الذي يزرع في حام بالبقاع لم يتعدل جينياً ولا تُستعمل في زراعته أي مواد سامة وما زال يحصد بالمنجل.
قراءة هذا الكتاب بمثابة تذوق لتلك الأطعمة، التي لم تخسر طابعها وشخصيتها وطعمها في عالم المأكولات السريعة. إنه رحلة في أرجاء لبنان البعيدة والقريبة، ووسيلة جديدة للتعرف إلى عادات المناطق وتقاليدها. أما التصميم الحديث والديناميكي للكتاب فمريح جداً للنظر وجاذب إلى القراءة، وخاصة أن الصور التي ترافق المقالات تصيب الهدف تماماً فتبرز طريقة العمل بهذه المأكولات وجمال كل منها، «وتشخّص» كل طبق بصورة من يعمل في إنتاجه.
الكتاب يؤرخ تراثاً هو في خطر الاندثار بسبب العولمة والوجبات السريعة التي دخلت قواميس المطابخ اللبنانية. لكن فهرس أسماء العاملين في كل المناطق وهواتفهم تروج لسياحة جديدة في لبنان، سياحة المأكولات البطيئة. فإذا بدأ قراء الكتاب بالتوجه إلى تلك القرى وتذوّق الأطعمة وشرائها، لوفروا الدعم المادي لهؤلاء المنتجين الصغار وأكدوا انتقال التراث إلى الأجيال المقبلة. هذا الكتاب، الذي يمكن اعتباره المرجع الأول لسياحة المأكولات سيمهد لطريق هذه السياحة. ويبقى الأمل في أن يترجم الكتاب إلى العربية كي لا تتوسع دائرة انتشار تلك المعلومات، وكي لا يطال الترويج للمأكولات البطيئة طبقة مثقفة معينة بل يصل إلى «أهل البلد».