عمر نشّابةنقلت وسائل إعلام محلية وعربية ودولية أخيراً عشرات المقابلات مع سياسيين وإعلاميين تناولوا في خلالها التحقيقات الجارية في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وتضمّنت بعض تلك المقابلات تضليلاً وخروجاً عن الواقع. فذكر البعض أن «إطلاق سراح الضباط الأربعة لا يعني أنهم أبرياء» وقال البعض الآخر إن «إطلاق سراح الضباط الأربعة المتهمين بالضلوع في الجريمة جاء لعدم كفاية الدلائل قانوناً، وما زال القضاء الدولي يشتبه فيهم». وشدّد الكثيرون على أن «القضاء الدولي هو الذي أمر باعتقال الضباط، وبالتالي هو الوحيد الذي كان مخوّلاً بحسب القانون، إطلاق سراحهم».

لنقرأ أولاً ما ذكره قاضي الإجراءات التمهيدية في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان دانيال فرانسين يوم أول من أمس (وهي كلمات وردت بالفرنسية): «بعد دراسة معمّقة لمجمل أجزاء الملف الذي جمعت مضمونه لجنة التحقيق الدولية والسلطات اللبنانية، اعتبر المدعي العام أن المعلومات التي بحوزته في الوقت الحالي لا تتمتع بالصدقية (PAS SUFFISAMMENT CREDIBLES) لتبرير إصدار مضبطة اتهام بحق الأشخاص المحتجزين (اللواءين جميل السيد وعلي الحاج والعميدين ريمون عازار ومصطفى حمدان)».

لنقرأ ما ورد في عشرات الرسائل الرسمية التي بعث بها رئيس لجنة التحقيق الدولية المستقلة في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري سيرج براميرتس إلى وكلاء دفاع الأشخاص المحتجزين ومثيلاتها الرسائل التي بعث بها خلف براميرتس رئيس اللجنة دانيال بلمار وأيضاً مثيلاتها الرسائل التي بعث بها الرئيس السابق للدائرة القانونية في الأمانة العامة للأمم المتحدة نيكولا ميشال: «إن كلّ المسائل المتعلّقة بتوقيف أو باحتجاز أشخاص في إطار التحقيق على الأراضي اللبنانية، تعود حصرياً لاختصاص السلطات اللبنانية المختصّة». وكانت «الأخبار» قد نشرت نسخاً عن عدد منها، ولا يتضمّن نصّها أي إشارة لاستمرار احتجاز أشخاص.

لنقرأ، مقارنة بالفقرة السابقة، ما ورد في الكتاب الذي وجّهه رئيس لجنة التحقيق المستقلّة الاوّل ديتليف ميليس إلى المدعي العام اللبناني القاضي سعيد ميرزا يوم الأول من تشرين الأول 2005: «بنظرنا، وقياساً لضخامة الجريمة وتنظيم تنفيذها، وآخذين بالحسبان الدلائل التي تمّ جمعها، ينبغي إبقاء السيد جميل السيّد مسجوناً في الوقت الحاضر».
لنقرأ ما ورد في قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1595: «إنشاء لجنة مستقلة دولية للتحقيق تتخذ من لبنان مقرّاً لها، لمساعدة السلطات اللبنانية في التحقيق الذي تجريه في جميع جوانب هذا العمل الإرهابي، بما في ذلك المساعدة في تحديد هوية مرتكبيه ومموليه ومنظميه والمتواطئين معهم».

لنقرأ الفقرة «ب» من مقدّمة الدستور اللبناني: «لبنان عضو مؤسس وعامل في منظمة الأمم المتحدة وملتزم مواثيقها والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وتجسد الدولة هذه المبادئ في جميع الحقوق والمجالات دون استثناء».

لنقرأ المادة الحادية عشرة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: «كل شخص متهم بجريمة يعتبر بريئاً إلى أن تثبت إدانته قانوناً بمحاكمة علنية تؤمن له فيها الضمانات الضرورية للدفاع عنه». والمادة التاسعة من الإعلان نفسه: «لا يجوز القبض على أي إنسان أو حجزه أو نفيه تعسفاً».

لنقرأ الفقرة الثالثة من المادة التاسعة من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية: «يقدم الموقوف أو المعتقل بتهمة جزائية، سريعاً، إلى أحد القضاة أو أحد الموظفين المخولين قانوناً مباشرة وظائف قضائية، ويكون من حقه أن يحاكم خلال مهلة معقولة أو أن يفرج عنه».

تطلق الجامعات البريطانية على كلّ محاضر فيها لقب «قارئ»، لكن لا يحتاج من يرغب في الإفلات من التضليل الإعلامي المنظّم بشأن التحقيق في قضية اغتيال الحريري إلى أن يتحوّل لمحاضر جامعي. قارئ فقط. لا أكثر ولا أقلّ.