راجانا حمية«شو الليلة وين؟»، يسأل الشاب صديقه، فيأتيه الجواب بنبرة هازئة: «شكلو كمان حمرا». يتواعد الصديقان على اللقاء التاسعة مساءً «عند مدخل المخيم، حد الكنيسة من ميلة فوق». من يركّز قليلاً في وصف الشارع، فقد يظن أنّ ثمة شارع «حمرا» آخر، لكن أين؟ وما دخل المخيم؟ لا أحد يعرف إلا اللاجئين، فهم من أطلقوا التسمية على مخيم مار الياس «ما غيرو» تيمّناً بشارع الحمرا.
لم يأتِ هذا الاسم لمجرد أن قاصديه، وغالبيتهم من مخيمات بيروت، يحتاجون إلى فسحة بديلة من شارع الحمرا الأصلي، لكن، لكونهم وجدوا في مكانة مار الياس مقارنة بمخيماتهم ما يشبه مكانة الحمرا «مقارنة بحي السلم مثلاً». سموه هكذا، لأسباب كثيرة لا يعرفها سوى شباب المخيمات الثلاثة هنا: برج البراجنة وصبرا وشاتيلا. فهم وحدهم يستطيعون تحديد نقاط الاختلاف بين مخيماتهم البائسة و«حمرا المخيمات». وقد يكون من بين هؤلاء سلمى ازدحمد، ابنة برج البراجنة. ففي المرة الأولى التي قصدت فيها سلمى المخيم، شعرت بأنها «في مكان آخر مختلف كلياً. باختصار الناس هون من طبقة أعلى».
تشعر المراهقة بهذا الاختلاف حتى عندما تتكلم، عندما تقول عن الحياة في مار الياس «هونيك» وعن بيتها «عنا». ما تشعر به سلمى، سيشعر به آخرون من المخيمات المكتظة، وخصوصاً صبرا وشاتيلا، فعلى الأقل في مار الياس «نحتفظ بخصوصياتنا، بدلاً من مشاركتها مع الجيران والعابرين في الزواريب الضيقة بين منازلنا». أكثر من ذلك، يقول أحمد الديماسي من شاتيلا: «عندهم مياه وكهرباء بانتظام، وعنا ترانس الكهرباء بيتكّ بالساعة عشر مرات وبنشتري مياه». وأكثر، يقارن طارق العلي بين مار الياس والمخيمات الثلاثة لناحية وجود «الثقل السياسي والخدماتي»، فيشير إلى أنّ «معظم المكاتب الرئيسية التابعة لمنظّمة التحرير أو للفصائل موجودة في هذا المخيم، لذا يحظى السكان باهتمام أكبر، يضاف إليه اهتمام الكنيسة بهم، لكونهم يعيشون على أرض الوقف».
ليس الغرباء عن مخيم مار الياس وحدهم من يرون أنه يستحق «اللقب» الذي أطلق عليه. ويسوق أبو محمد العايدي، الآتي من يافا إلى مار الياس، سبباً آخر ليستحقّ المخيم «اسم الدلع». فيشير إلى ما وصفه بـ«عبقريّة المكان التي جعلت المخيّم نقطة وسطيّة بين الشوارع الرئيسية لبيروت». لكن «عبقرية المكان» هذه «أثرت في إيجارات الغرف، التي تعد الأغلى هنا بين المخيمات. بحيث يتراوح إيجار الغرفة بين 100 و150 دولاراً. ولا ينسى العايدي ميزة أخرى للمخيم تتعلّق بـ«صغر مساحته وعدد سكانه القلائل الذين توطّدت بينهم العلاقة إلى الدرجة التي باتوا يعرفون فيها أسماء بعضهم من أصواتهم». لكن، رغم اختلافه، ثمة ما هو مشترك بين «الحمرا» وباقي المخيّمات: الفقر.