نشأت بين عامي 2004 و2006، ثلاث مجموعات شبابية مستقلة في كليّة العلوم ــ الفرع الأول في الجامعة اللبنانية. لكن أصوات هذه المجموعات سرعان ما خفتت مقابل صعود نفوذ تكتلي 8 و14 آذار. ماذا عن هذه المجموعات؟ ولماذا اختفت وأين هي اليوم؟
هاني نعيم
لم يعد منطق اليوم يحتمل قيام مجموعات شبابية مستقلة، فكل مجموعة ستحسب على فريق معيّن، وهذا سيؤثّر في مصداقيّتها في العمل الطالبي. هكذا يبرر «المستقلون» غيابهم عن الساحة الطالبية، وتحديداً في المجمع الجامعي في الحدث. ولا يبدو من الحديث معهم وجود أي نيّة بتكرار تجربة «طلاب ضد الصمت»، «باحثون عن لبنان»، و«شبيبة فكرة». نشأت هذه المجموعات الثلاث على أساس خلفيّات وأهداف مختلفة في كلية العلوم ـــــ الفرع الأول في الجامعة اللبنانية.
فحركة «طلاب ضد الصمت»، التي أسسها طلاب ذوو خلفيّة علمانيّة ويساريّة، سعت إلى توعية الطالب على حقوقه، وتفعيل العمل الطالبي خارج التجاذبات الحزبية التي لا تخدم الجامعة اللبنانية، على حد تعبير أحد مؤسسي الحركة كريم رعد. وإذا كان هدف «طلاب ضد الصمت» الدفاع عن الجامعة، فعمل «شبيبة فكرة» التي ضمت طلاباً حزبيين، محايدين، معتدلين ويساريين، كما قال أحد أعضائها مروان أبو نجم، «تبيان رأي كل فرد فيها إلى الجامعة» عبر نشرة «العقل زينة» التي أصدرتها المجموعة بصورة شهرية.
وفي النشاطات، أصدرت حركة «طلاب ضد الصمت» نشرة شهرية بعنوان «لا» حاولت رسم رأي عام طالبي يستطيع الدفاع عن حقه، إضافة إلى تأسيس نادي السينما وتنظيم ندوات فكرية وثقافيّة، وإطلاق البيانات بين فترة وأخرى لتسجيل المواقف بشأن المسائل المطلبيّة والسياسية.
أما مجموعة «باحثون عن لبنان»، فجمعت خليطاً من علمانيين يساريين، ويمينيين دينيين وهامشيين، وانطلقت من معاناة طلاب الكليّة ومشاكلهم اليوميّة «من الميكروفون الذي يشوّش في قاعة المحاضرات إلى المستوى الأكاديمي الرديء لبعض الأساتذة»، بحسب عبير، إحدى عضوات المجموعة.
وانطلقت مجموعة «باحثون عن وطن» من استفتاء عن اتفاق الطائف ومدى تأييد الطلاب أو رفضهم له، إضافة إلى بعض النشاطات الثقافية التي كانت تحمل نقداً حيال النظام الجامعي، الأساتذة، الأحزاب وممارساتها. وانحصرت أعمال «شبيبة فكرة» بنشرة «العقل زينة» وعدد ضئيل من النشاطات.
هذا عن نشأة هذه المجموعات وعملها، فماذا عن اختفائها؟ تختلف أسباب الغياب، فمعظم أعضاء «طلاب ضد الصمت» تخرّجوا من الكليّة، ما أدى إلى تقلّص نشاطات المجموعة حتى باتت غائبة، يقول كارلوس، أحد الأعضاء القدامى.
ويرى مروان، من «شبيبة فكرة»، أن «جوّ الجامعة آنذاك لم يكن يحتمل وجود محايدين، عدا الخلفيات الحزبية المتعددة لبعض الأعضاء، ما أدى إلى فرط المجموعة». لكن عدم الانضواء تحت لواء أحد الأطراف، والإصرار على الاستقلالية أدى إلى صعوبة الاستمرار، وخصوصاً أنّ الباحثين عن الوطن كانوا يواجهون بسؤال دائم: «انتو مع مين؟»، بحسب عبير.
وعن غياب المجموعات المستقلة اليوم، يجمع الشباب على أن الانقسام الطائفي والسياسي الحاد بين فريقي 8 و14 آذار هو السبب الأساسي في ذلك. فيقول كريم إنّ الأحزاب المتصارعة تلعب على الوتر المذهبي، «فاليوم طلابنا يدافعون عن طوائفهم بدلاً من حقوقهم». ويتّفق مروان مع كريم، ويضيف «الانقسام في الجامعات لا يتيح للمعتدلين القيام بمجموعات خارج السرب». يوماً بعد آخر، تخفت أصوات المجموعات الشبابية المستقلة الخارجة عن سرب الطوائف في 8 و14 فمتى يعود ليرتفع؟ سؤال يملك الإجابة عنه هؤلاء المتمرّدون.


موقف مستقل

يرى الطالب في كليّة إدارة الأعمال ـــــ الفرع الأول سامر صالح (الصورة)، الناشط السابق في «شبيبة فكرة» أن تخرّج الشباب المؤسسين للمجموعات المستقلّة، وضعف الحزب الشيوعي، والانقسام السياسي القائم بين 8 و14 آذار، عناوين أدت إلى غياب هذه المجموعات. لكنّ صالح عاد وانخرط في الحزب الشيوعي منذ سنة. وكان سامر قد شارك في نشرة المجموعة، فكتب حينها عن مشاكل الجامعة اليوميّة، كما أفرد أعضاء المجموعة عدداً خاصاً بمقاطعة البضائع الأميركيّة، منتقدين حينها «الحملة الشبابيّة لرفض الوصاية الأميركية» التي نظمتها قوى 8 آذار، «لأن مقاطعة أميركا ليست فقط بالشعارات». ويعتقد أن الموقف المستقل للحزب الشيوعي شجّع الشباب على الانخراط فيه، من دون تأسيس مجموعاتهم الخاصة.