ألسنة الأطفال وكالات إخبارية متخصصة بنشر أسرار البيت، وكل ما تلتقطه عيونهم أو آذانهم. بعض الأطفال يخبرون أصدقاءهم، أو من يأتي إلى منازلهم، بما كان أهلهم يتحدثون عنه، سواء كانت هذه الأحاديث أسراراً، أو تتناول تفاصيل عادية من الحياة اليومية. وأحياناً يستغل الأطفال لمعرفة ما يجري في منازلهم. لكن ما الذي يدفع الصغير إلى نقل أخبار بيته؟ وكيف يمكن مساعدة الأهل على حل هذه المشكلة؟

دعاء السبلاني
من السهولة بمكان مصادفة أطفال يسترسلون، من دون طلب، في الحديث عما يحدث في منزلهم، عن المشاكل التي تقع بين الأب والأم، أو بين الأم والحماة.
سعاد ح. أم لطفلة تدعى نورا (4 أعوام) «أواجه بعض المشاكل مع زوجي، وتعلو أصواتنا خلال الحديث، فلا ننتبه إلى أن نورا موجودة في الغرفة». كانت العائلة في زيارة لأحد أقربائهم، وأحس الوالدان بـ«الصدمة» إذ راحت الصغيرة تروي بأن والدها أمر والدتها بمغادرة المنزل وأنه يضربها باستمرار. «لقد أحرجنا كلام ابنتنا، وشعرنا بأننا في موقف صعب، ابتسمنا وقلنا إننا كنا نمزح فخافت نورا وظنت أننا نتشاجر، ولكن هذا التمويه لم يقنع أقرباءنا كثيراً»، وتضيف سعاد «عندما عدنا إلى المنزل لم نتشاجر هذه المرة، بل كان الشجار مع نورا فحذرناها من أن تروي مشاكلنا مجدداً، وضربناها أيضاً، إلا أن هذا لم يُجدِ نفعاً لأنها كررت الأمر نفسه عندما زارنا أحد الأصدقاء».
أما ما يسببه رافي ب. (5 أعوام) فيتخطى إحراج الأهل، ليصل إلى العداوة بين أمه ووالدة أبيه. تقول أميرة، والدة رافي «أحياناً أغضب من حماتي، وأروي لأمي أو أختي ما فعلته، فيسمعنا رافي ويخبر جدته بأنني كنت أتكلم عنها لأنني أكرهها، يفعل ذلك بعد محاولات عدة لاستدراجه في الكلام وسؤالها عن ذلك». تضيف أميرة «ابني يحب جدته كثيراً لأنه اعتاد عليها، فقد كنت أتركه معها عندما كان صغيراً لأذهب إلى عملي، وأنا لا أكرهها ولكنها أحياناً تقوم بأمر يزعجني فأخبر والدتي به». لا تخفي أميرة المشاكل التي يسببها رافي «بسبب لسانه الطويل» مع والدة زوجها من جهة، ومع زوجها من جهة ثانية.
الدكتور فوزي أيوب، باحث وأستاذ في علم النفس التربوي والمناهج التربوية في كلية التربية في الجامعة اللبنانية، يرد سبب تحدث الطفل عن الخلافات القائمة في البيت إلى مشكلة (نفسية) يعانيها، ويريد أن يعبر عنها ليفرغ قهره. ويقول «إذا كان الطفل ينقل ما يجري في بيته للناس كدليل معاناة يشعر بها، فهذا حقه وعلى الأهل الانتباه إلى مشكلته ومعالجتها بواسطة طبيب مختص. أما إذا كان الطفل ينشر مشاكل أهله وكأنه يتباهى بها، فهذا يشير إلى علاقة غير طبيعية تربطه بأهله مثل العداء، وبالتالي تكون المشكلة عاطفية». يضيف أيوب: «يلعب عمر الطفل دوراً في نقل أخبار البيت إلى خارجه، فكلما كان الطفل صغيراً يُبرر تصرفه هذا، ويربط بالبراءة، أي لا نستطيع القول عندها إنه يقوم بذلك عن قصد».
الطفل قد يروي أسرار العائلة أحياناً، محاولاً تقليد ما يقوم به الأهل، ويقول أيوب «إذا سمع الطفل أهله يتحدثون عن أسرار بيوت غيرهم، فإنه سوف يتحدث عن أسرار بيته... الطفل هو انعكاس للوضع السائد في بيئته».
ثمة أطفال لا يكتفون بنقل أسرار أهلهم، بل ينقلون كل ما يسمعونه ويرونه في حياتهم اليومية، وأحياناً دون أن يستدرجهم أو يسألهم أحد، لارا (بركة 4 أعوام) هي من أفضل الأمثلة في هذا الإطار. يكفي الالتقاء بها مرة واحدة لمعرفة ما كان يجري في منزلها في الأمس القريب. تقول والدتها «لارا أسرع من وكالات الأخبار في نقل أحداث البيت، حتى لو لم تكن مهمة أو ليست أسراراً. عندما يزورنا أحد الأقرباء أو الأصدقاء تشارك نورا في كل حديث، ثم تبدأ برواية كل شاردة وواردة جرت. نحاول دائماً أن نتحدث عن الأشياء المهمة عندما لا تكون موجودة في الغرفة، ونطمئن إلى أنها تلهو في غرفة أخرى، ونفاجأ بها في اليوم التالي تقول ما كنا نتحدث به».
يشير أيوب إلى الأسرار التي يمكن أن يقولها الأهل لطفلهم ومنها «تلك التي يطلبها الأطفال عادةً ويكون لديهم فضول لمعرفتها، وعلامات استفهام عديدة حولها مثل: كيف يأتي الأولاد؟ أي المسائل المتعلقة بإنجاب الأولاد، أو لماذا اختار والده والدته ليتزوجها؟ أو ماذا يعني الزواج؟ لكن هذه المسائل يجب أن تُشرح للطفل بطريقة مبسطة، بما يتفق مع قدرته على استيعابها أو أن تحصل عملية الشرح بأسلوب مرح، ويُقال: حدثوا الناس بمقدار عقولها».
أما الأسرار التي يجب إبعادها عن الطفل فهي كما يقول أيوب «تُصنّف حسب الفئات العمرية، فالمشاكل الكبيرة والخلافات العائلية يجب إبعاد الطفل عنها، وعدم إدخاله فيها، لأنه لن يفهمها، إلا في حال الطلاق فيمكن أن يخبر الأهل طفلهم بذلك». وينهي أيوب أنه يجب عدم الكذب على الطفل، لأن ذلك يزعزع الثقة بين الأهل والطفل.


الحب والثقة ضروريان

ينصح أيوب الأهل بعدم «زجّ أطفالهم في المسائل السرية، وعدم إبلاغهم بمعلومة ما أو حدث سرّي، لأن هذا يثير فضول الصغار، وفي المقابل، على الأهل أن يتأكدوا من أن أطفالهم غير موجودين ولا يمكن أن يستمعوا إلى أي سر. ومن الضروري أن يعتمد الأهل نهجاً تربوياً يجعل أولادهم يثقون بهم ويحترمونهم ويحبونهم، بالإضافة إلى تعليم الطفل قواعد السلوك، لأن نظام التربية يلعب دوراً مهماً وكبيراً في تنمية وعي الطفل وتحسين أخلاقه». يشدد أيوب على عدم معاقبة الطفل أو ضربه إذا نقل سراً أو خبراً معيناً «فهذا خطأ مضاعف وأسلوب تربوي عقيم خال من العاطفة والمحبة، لأنه يمثّل تهديداً ويدفع الطفل إلى تكراره، وهو أسلوب يُستعمل بين أشخاص لا يعرف بعضهم بعضاً لا عندما تكون العلاقة أسرية»