خالد صاغيةيدخل اللبنانيّون، من خلال سياسيّيهم ووسائل إعلامهم، في أجواء شديدة التوتّر تسبق معركة الانتخابات النيابيّة. معركة قيل فيها إنّها مصيريّة، مهمّة، ومقدّمة لبناء الدولة. أمّا الواقع، فهو أنّها ليست مصيريّة، وليست مقدّمة لبناء دولة لا يريد لها أحد أن تُبنى. لكنّها تبقى، كأيّ انتخابات أخرى، مهمّة بالنسبة إلى القوى والزعماء المشاركين فيها، لتحديد حجمهم ونفوذهم.
ربّما كانت القوى السياسيّة معذورة. فالتعبئة الانتخابيّة جزء من اللعبة. لكنّها تعبئة تحمل أسئلة كثيرة، وخصوصاً بالنسبة إلى فريق المعارضة السابقة.
فقد خاضت المعارضة معركتها السياسيّة طوال ثلاث سنوات تحت شعارين: الحفاظ على المقاومة، والمشاركة. هدفَ العنوان الأوّل إلى حماية سلاح حزب اللّه من الهجمة الأميركيّة ـــــ الإسرائيليّة عليه التي تلاقت مع مصالح فئات لبنانية واسعة تنوّعت أسباب مطالباتها بنزع ذاك السلاح. أمّا المشاركة، فعبّرت عن هواجس حزب الله وحركة أمل اللذين أرادا المشاركة في السلطة رغم انتمائهما إلى الأقليّة النيابيّة، رافعين شعار تمثيل طائفة كبرى في بلاد تحكمها الطائفيّة السياسيّة، كما عبّرت أيضاً عن هواجس التيار الوطني الحر الذي منحته الانتخابات شرعيّة تمثيليّة، معتبراً أنّ إبعاده عن السلطة استمرار لتهميش الدور المسيحي الذي قام به النظام السوري خلال حقبة إدارته لبنان.
يمكن القول إنّ المعارضة نجحت في تحقيق هذين الهدفين. وشاركت في حكومة سمّيت حكومة وحدة وطنيّة. أسهم هذا الوضع، إلى حدّ ما، بتهدئة الأجواء السياسيّة والأمنيّة في انتظار الانتخابات النيابيّة المقبلة. لكنّنا لم نفهم، ماذا تنتظر المعارضة من هذه الانتخابات؟ وماذا تريد من السلطة في حال وصولها إليها؟ وهل مصلحتها حقّاً تقضي بالوصول إلى السلطة؟
ما سمعه اللبنانيّون هو أنّ المعارضة، في حال فوزها، ستعمل على بناء الدولة. وأضيف إلى هذا الكلام شِعر عن مكافحة الفساد والمفسدين. لكن أليس من المعيب أن تطرح المعارضة شعار بناء الدولة من دون أيّ رؤية أو برنامج، أو حتّى نموذج تقدّمه من خلال مشاركتها في الحكم؟ يعرف اللبنانيون تماماً برنامج الأكثرية في السياسات الاقتصادية والاجتماعية، وهو ما زال يسير على خطى حكومات ما بعد الطائف، ويلوم كلّ شيء على الحال التي وصلت إليها البلاد باستثناء السياسات المتّبعة. نعرف أيضاً رأي زعماء الطوائف التقليديّين في صفّي المعارضة والموالاة، ونعرف كيف يتقنون ممارسة تحويل الدولة إلى رافعة لاستمرار زعاماتهم. لكن ما لا نعرفه هو كيف تريد المعارضة بناء الدولة.
نعرف أنّها تعارض السياسات المتّبعة. لكنّنا لا نعرف ما هي سياساتها. ولنا تجربة مُرّة مع من وصل إلى الحكم عام 1998 تحت شعار نقض السياسات السابقة من دون امتلاك أيّ بديل.
نعرف أنّ مكافحة الفساد ليست برنامجاً للحكم. يمكن أن تكون نموذجاً للتسلّط، وخصوصاً ممّن لا يفوّت مؤتمراً صحافيّاً من دون أن يعبّر عن ضيقه بالصحف والصحافيّين.
نعرف أنّ الزعامات التقليديّة اللاهثة وراء ما يسمّى وزارات الخدمات موجودة في المعارضة، كما في الموالاة.
نعرف أنّ وزراء المعارضة لم يقدّموا نموذجاً استثنائيّاً في وزاراتهم.
نعرف أنّ المعارضة لا يمكنها أن تتّفق على برنامج واحد، في ما يتعدّى العناوين السياسيّة العامّة. فنبيه برّي ـــــ إذا أغفلنا خلافات 8 و14 السياسيّة ـــــ أقرب إلى وليد جنبلاط منه إلى ميشال عون، والعونيّون الذين تراجعوا عن برنامج اقتصاديّ شديد اليمينيّة كانوا قد تبنّوه خلال الانتخابات السابقة لم يطرحوا بديلاً منه بعد، وحزب اللّه لا يتصرّف على أنّ ثمّة أولويّة لديه غير سلاحه. ليس أدلَّ على هذه التناقضات الفاضحة من إجراء مقارنة بين أداء وزيرين من المعارضة تعاقبا على الوزارة نفسها: فما يفعله آلان طابوريان في وزارة الطاقة مختلف جذريّاً عمّا كان قد تبنّاه سلفه وزميله في المعارضة محمّد فنيش.
في غياب أيّ رؤية مشتركة، ستكون المعارضة، في حال فوزها في الانتخابات، ذات أداء ضعيف في السلطة يسهّل اصطيادها من قبل أقلّيّة (الأكثرية الحالية) تعرف تماماً كيف تدافع عن مصالحها ومصالح طبقة تدلّلت في أحضانها.
لكن، إذا ابتعدنا عن ذلك كلّه، ونظرنا إلى حزب اللّه تحديداً، لاكتشفنا أنّ مصلحته تكمن في إعادة التجديد لحكومة وحدة وطنيّة. ومن هنا تأكيد الحزب منذ الآن على دعوته الأقليّة المقبلة إلى المشاركة عبر ثلث معطّل أو ضامن. فوحدها حكومة كهذه يمكنها نزع فتيل طرح موضوع سلاح حزب اللّه، وتعفي الحزب من مهمّات سياسيّة لا يرغب في الخوض فيها. أمّا من يمتلك الأكثريّة في حكومة ذات ثلث معطّل، فتفصيل غير ذي أهميّة.