الاتفاقيّة التي شغلت العالم على مسرح التشريح
علاء اللامي
يمكن اعتبار هذا الكتاب أول معالجة معمقة وشاملة لموضوع الاتفاقية الأمنية «سوفا». ورغم أن الكاتب عُرِفَ بدراسته وأبحاثه في ميدان النفط والثروات الطبيعية، غير أن كتابه هذا، جاء سياسياً بالدرجة الأولى، ومكتوباً بلغة وأسلوب واضحين وسلسين، دون أن يكون ذلك على حساب المضمون العلمي والتحليل الأكاديمي.
في مقدمة الكتاب، نضع أيدينا على مفاتيح عدة مفيدة، تسهّل علينا قراءة المضمون قراءة مجدية. فالمؤلف يعلن بوضوح أنه، كما فعل في الكتابين اللذين صدرا له عن موضوع قانون النفط والغاز حيث لم يتحدث عن هذا القانون فقط، بل عن مجمل السياسة النفطية وما يجب أن تكون عليه للوصول إلى رفض القانون بالشكل المعروض، اعتمد الأسلوب ذاته في دراسته الاتفاقية الأمنية. تحدث بالتفصيل عن «البند السابع» الذي اتخذته الجهات التي تريد تمشية الاتفاقية كحجة لتمريرها.
يخصص الكاتب الفصل الأول لمناقشة البند السابع من ميثاق منظمة الأمم المتحدة وعلاقته بالعراق. شرح اتفاقيات «سوفا» التي عقدتها الولايات المتحدة مع دول أخرى بالتفصيل، وكيف أن معظم الاتفاقيات التي على هذه الشاكلة، كانت «الولاية القضائية» فيها بيد الدولة «المضيفة للقوات» لا بيد أميركا، وهذا الأمر يطبق حتى داخل معسكراتها أو قواعدها داخل الدولة المضيفة، على العكس تماماً مما تروّج له ماكينة الحكم الإعلامية في بغداد يومياً. ويخرج المؤلف باستنتاج مهم يقول إن حكومة بغداد والاحتلال يحاولان «استغفال» الرأي العام. السبب هو أن هذا البند يقصد به «وصف الحالة» في الدولة المعنية، وإذا كانت الحالة تستوجب دخول الدولة تحت مفاعيل هذا البند، فإن مَن يتحمل المسؤولية الشاملة هو الدولة المحتلة، الولايات المتحدة، فهي المقصودة إذاً بهذا البند لا العراق. بكلمات أخرى يريد الاحتلال والحكومة الصنيعة جعل الاتفاقية الأمنية ثمناً لما يسميانه «إخراج العراق من طائلة البند السابع»، فيما على الاحتلال، لا أي طرف آخر، دفع الثمن بإنهاء احتلاله، ليخرج العراق تلقائياً من طائلة ذلك البند.
أما المنطق الحكومي الاحتلالي، فهو يريد تحميل العراق مسؤولية كل ما حدث وتدفيعه الثمن مرتين: مرة بتحميله مسؤولية الاحتلال، وأخرى بربط العراق بمعاهدة استعمارية تصادر مستقبله وثروته واستقلاله.
ثمة استنتاج مهم جداً يرد في ختام مناقشة المؤلف لبواعث إصدار القرار الأممي الرقم 1483 في 22/5/2003، فهو يقول «إن هذا القرار وضع الولايات المتحدة وبريطانيا، لا العراق، تحت طائلة البند السابع، ولقد شعرت هاتان الدولتان بذلك، ولذا استطاعتا في قرارات لاحقة أن تتخلصا من كونهما دولتين محتلتين، وأن تجعلا الحكومات العراقية اللاحقة تعترف بأن العراق هو تحت البند السابع، ولكن ليس لسبب معين مثل العدوان أو تعرض الأمن والسلم الدولي للخطر. وبهذا يكون هذا البند باطلاً وخرافة تمسكت بها الحكومات العراقية إما غباءً أو بتأثير من الاحتلال، والاحتمال الثاني أكثر قناعة بنظري».
جاء الفصل الثاني من الكتاب تحت عنوان «من هي الولايات المتحدة التي نريد أن نقيم علاقات استراتيجية معها» والعنوان يصرّح بالمضمون بوضوح.
يخصص المؤلف الفصل الثالث من كتابه لمناقشة واستعراض الوضع القانوني للقوات الأميركية الموجودة خارج الولايات المتحدة كمقدمة لتقديم قراءته النقدية لما سمي «الاتفاقية الأمنية» التي تسمى «سوفا» (SOFA هي مختصر Status of Force Agreements أو اتفاقيات حالة القوات العسكرية)، والتي وافقت إدارة بوش أخيراً على تعديل اسمها إلى «اتفاقية انسحاب القوات الأميركية من العراق» بناءً على رغبة الطرف الحكومي العراقي.
وفي هذا الفصل، يناقش المؤلف الوضع القانوني للقوات الأجنبية بالتفصيل، لينتقل إلى الولاية القضائية أو «الولاية القانونية» Jurisdiction، ليأتي بمجموعة من الأمثلة على هذه الاتفاقية التي عقدتها أميركا مع دول أخرى.
الفصل الرابع عنوانه «ما هي مسودة المعاهدة الاستراتيجية الأمنية الطويلة الأمد؟ ومناقشتها!» معرجاً على مواقف الأطراف السياسية العراقية من الاتفاقية، ومخصصاً مساحة جيدة لموقف الأطراف القومية الكردية، متوقفاً عند الموقف الأميركي الداخلي (الإعلام والرأي العام) من الاتفاقية.
يحمل الفصل الخامس من الكتاب عنوان «مناقشة أخيرة: إلى أين سنصل؟» في هذا الفصل يعمد المؤلف إلى تفكيك المضمون الحقيقي للعديد من مواد الاتفاقية وبنودها وكشفها، مفنّداً مزاعم الاحتلال الأميركي المعلنة من أنهم لا يريدون وجوداً عسكرياً دائماً في العراق، مثبتاً العكس.
الفصل السادس يعنونه التساؤل الآتي «هل ستكون هناك اتفاقية أمنية استراتيجية طويلة الأمد؟». وفي هذا الفصل يناقش المؤلف حزمة من المواضيع ذات الصلة بالوضع السياسي والأمني، ومواقف مختلف القوى السياسية العراقية من الاتفاقية، متطرقاً إلى ما قيل عن وجود نسختين بالعربية وأخرى بالإنكليزية مختلفتين كثيراً، وصولاً إلى التهديدات التي أطلقها الأميركيون بإشعال الوضع الأمني إذا لم تُوقّع الاتفاقية وتُمرّر رسمياً، خاتماً هذا الفصل والكتاب بمناقشة دقيقة لمجموعة أخرى من مواد الاتفاقية، طارحاً إجابته وموقفه الشخصي من موضوع الاتفاقية الأمنية، وهل يجب التوقيع عليها أم رفضها وطلب تمديد بقاء القوات الاحتلال بتفويض من الأمم المتحدة، حيث يؤكد أنه مع «عدم توقيع هذه الاتفاقية، أو أية اتفاقية مع الولايات المتحدة، إذ إنها ستكون الطريق لاستعباد العراق، وهي أيضاً ستؤدي إلى إبعاد مَن في السلطة بعدما أدّى مهمته، واختيار الأكثر انصياعاً لهم، فهي بالنتيجة عملية «انتحار» للسلطة قبل أن تكون عملية تدمير إضافي للعراق والعراقيين.
إن مجمل الظروف الداخلية والخارجية تحتم علينا البقاء ضمن إطار مجلس الأمن، واستغلال التناقض الحالي في هذا المجلس بين روسيا والصين من جهة، والدول الأخرى من جهة ثانية وبدرجات متفاوتة، وأن نمضي بالتمديد المؤقت، ليس لغرض إعطاء مهلة إضافية للمفاوضات لعقد اتفاقية مع الولايات المتحدة لاحقاً، بل لغرض إعطاء مهلة للقوى العراقية لتوحيد صفوفها بدرجة مقبولة، وإنهاء الوجود الأميركي إلى الأبد، إذ إن بقاء أي جندي أميركي في العراق معناه استمرار الفوضى».
* كاتب عراقي


العنوان الأصلي
«آراء وملاحظات حول الاتفاقية الأمنية المقترحة بين العراق
والولايات المتحدة الأميركية»

الكاتب
فؤاد قاسم الأمير

الناشر
دار «الغد»