من «القاعدة» إلى فتحي يكن... ومن المغرب إلى ماليزيا
أنور عبد الرحمن
«مع الحركات الإسلامية في العالم ــ رموز وتجارب وأفكار» هو جديد حسام تمام، الباحث المصري المختص في شؤون الحركات الإسلامية. الكتاب الذي صدر مطلع العام الجاري عن مكتبة مدبولي في القاهرة، هو حصيلة عدد من الرحلات التي قام بها المؤلف لبعض البلدان التي تنشط فيها أهم الحركات الإسلامية، سواء من حيث القوة والتأثير أو من حيث القدرة على الاجتهاد والتجديد.
تمام الذي صدر له قبل ثلاث سنوات، وعن مكتبة مدبولي أيضاً، كتابه «تحولات الإخوان المسلمين ــ تفكك الايديولوجيا ونهاية التنظيم»، فضّل في كتابه الجديد أن يكتب عن الحركات الإسلامية من خلال الاقتراب والمعايشة، ودون الاقتصار على الحالة المصرية.
جاء الكتاب ليشتبك مع عدد من الأفكار والتجارب والرموز الحركية الإسلامية المثيرة للنقاش والجدل في أنحاء مهمة من العالم الإسلامي، من المغرب غرباً إلى ماليزيا شرقاً، ومن تركيا شمالاً إلى السودان جنوباً. وقد زار بعض البلاد أكثر من مرة فكانت فرصة لأن يتعرف عن قرب ــ ولو على هامش السفر ــ على بعض تجارب الحركات الإسلامية وخبراتها في هذه البلاد.
يفتتح حسام تمام كتابه بقراءة في معركة «النبوءة والسياسة» التي اندلعت قبل عامين بين «العدل والإحسان» والدولة المغربية، بسبب «منام» تداولته الجماعة عن حدث عظيم سيغير المغرب. فكان ــ المنام ــ إيذاناً بمعركة سياسية حاسمة تصدرت واجهة المشهد السياسي في بلد يفتخر بأنه أرض الأولياء مثلما المشرق أرض الأنبياء. ومن المغرب أيضاً يقدم المؤلف قراءة لمشروع حركة التوحيد والإصلاح وحزب العدالة والتنمية في إدارة العلاقة بين المجالين الدعوي والسياسي، عبر تجربة واقعية يراها الكاتب نموذجاً يستحق الاستفادة منه، وخاصة في الحالة المصرية التي تعاني الخلط بين المجالين. كما يتوقف المؤلف عند ما يعتبره تراجعاً لنموذج العدالة والتنمية التركي الذي يظل يلهم ويلهب خيال عدد من قادة حزب العدالة والتنمية المغربي.
ومن موريتانيا يرصد المؤلف تجربة نادرة قام بها عدد من الشباب الصوفي المتأثر بخبرة الحركة الإسلامية، للتقريب بين الصوفية والفقهاء، وضمت عدداً من قادة الطرق الصوفية والحركات الإسلامية من منطقة غرب أفريقيا. كما يحلّل في دراسة أخرى الحركة الإسلامية الموريتانية من زاوية علاقتها بالتحديث، ويطرح الكاتب وجهة نظره الخاصة والجديدة التي يقدم فيها الحركة الإسلامية كإجابة عن سؤال التحديث في بلد غارق في التقليد الذي تحاول الحركة تجاوزه، ولكن على أرضية دينية.
ومن السودان دراسة عن تأثيرات عملية التحديث والعصرنة في الطرق الصوفية التي يفترض كونها نموذجاً للتقليد الإسلامي. ويتوقف عن دخول ثقافة الإدارة والترفيه والمتعة، أو ما يمكن تسميته بالبروتستانتية الإسلامية.
ومن ماليزيا يقدم المؤلف خلاصة رحلته للتعرف على مشروع الإسلام الحضاري الذي دعا إليه الزعيم الماليزي مهاتير محمد قبل مغادرته السلطة، وهو مشروع بالغ الأهمية يقدم له المؤلف عرضاً وافياً وتحليلاً نقدياً ينتهي منه إلى وصفه بكونه «مشروع الرأسمالية المسلمة في دولة أقليات!».
ويخص حسام تمام الحركة الإسلامية التركية بثلاث مقالات موسعة، تتناول الأولى منها التجربة الاقتصادية للإسلاميين، وكيف كانت مدخلاً مهما للحركة الإسلامية لتجاوز التضييق بل والمنع السياسي. وتتناول الثانية الانقسام داخل الحركة الإسلامية بين «الأربكانية» و«الأردوغانية» على أساس مشروع كل منهما تجاه أميركا والغرب. ثم ترصد الأخيرة ما اعتبره المؤلف ظاهرة التوجه نحو اليسار لدى قطاع مهم من المثقفين الإسلاميين الأتراك.
ويحتل تنظيم القاعدة جزءاً مهما من الكتاب، فيتوقف المؤلف عند «فخ القاعدة» الذي أوقع أميركا في وحل المنطقة من خلال قراءة في استراتيجية «القاعدة» التي كانت قد أعلنتها حتى قبل تفجيرات 11 أيلول / سبتمبر لاستدراج أميركا. كما يرصد المعركة الخفية وغير المعلنة بين «القاعدة» وبين إيران، ثم يرصد ما قال إنه تراجع للنفوذ المصري في التنظيم الذي كان معظم قادته وكوادره مصريين.
ومن الحالة الإسلامية المصرية في تشابكاتها الخارجية، يتوقف عند ظاهرة «المراجعات» وتأثيراتها المستقبلية على الحركات الإسلامية الجهادية، وعلى العنف الإسلامي عموماً. ويتبنى أطروحة مخالفة لكل ما جرى من احتفاء بالمراجعات، فيرى أنها لن تكون مهمة في استشراف المستقبل. كما يشتبك مع السؤال الذي شاع بعد صعود حركة المقاومة الإسلامية في فلسطين: هل تهدد «حماس» الأمن القومي المصري؟ ليحلل طبيعة العلاقة بين الحركة وبين الإخوان المسلمين في مصر، رافضاً منطق التعامل مع «حماس» كذراع للإخوان يمكن أن يؤثر على الأمن القومي المصري.
ثم يتوقف عند عدد من أبرز الشخصيات الإسلامية التي تمثل مفاتيح لفهم الحالة الحركية والإسلامية عموماً في بلدانها، فيكتب عن سعد الدين العثماني الذي تولّى طيلة عشر سنوات كاملة الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية الإسلامي المغربي، وعبد الإله بنكيران أهم زعماء الحركة الإسلامية المغربية، وحسن الترابي أكثر الشخصيات الإسلامية إثارة للجدل في السودان وخارجه الذي يرى المؤلف أنه ربما كان أفضل مفكر في العالم الإسلامي وأسوأ سياسي فيه أيضاً! ويكتب عن الأصول الإسلامية لرئيس الوزراء الماليزي الحالي عبد الله بدوي، ويقدم قراءة لشخصية المفكر الحركي اللبناني فتحي يكن، صاحب فكرة المتساقطين على طريق الدعوة، وما تركته من تأثيرات سلبية في التكوين الحركي، كما يحاول التعرف على الاستراتيجية التي يتبعها أيمن الظواهري، منظّر «القاعدة»، وذلك عبر تحليله لشخصيته وخطاباته الدورية، ويتوقف عند شخصية مجهولة ومفتاحية في قراءة المشهد السلفي في مصر وعلاقاته، وهو محمد رشاد غانم، تاجر الأنتيكات في مدينة الإسكندرية.
الفصول الأخيرة للكتاب تعالج الحالة الإسلامية معالجة عامة، فتستشرف مستقبل العلاقة بين الحركات الإسلامية وأميركا عبر دراسة تاريخية للعلاقة وتطوراتها، كما تلتقط ظاهرة أحزاب «العدالة والتنمية» الإسلامية التي اجتاحت عدداً من بلدان العالم الإسلامي، ليتوقف عند تحولات مهمة للحركة الإسلامية تنتقل فيها من الطرح السياسي المتعلق بالهوية إلى الطرح الاجتماعي المهتم بقضايا التنمية. ثم يتوقف عند ما يسميه «الزمن السلفي»، طارحاً أهم الإشكاليات التي تتصل بالصعود السلفي في العالم الإسلامي، الذي يؤشر إلى أن السلفية صارت الأطروحة الأقوى والأكثر دينامية في هذه اللحظة. ويختتم المؤلف كتابه بقراءة في الأطروحة الغربية التي شاعت (نهاية الإسلام السياسي)، فيرصد أهم كتاباتها مقدماً نقداً لبعض أفكارها وطارحاً بعض التعديلات عليها.
والكتاب بمجمله يتناول القضايا والأفكار والمواقف التي تشغل بال العقل الإسلامي المعاصر في محاولته التكيف مع الواقع والتعامل معه وتجاوزه وصناعته.
* صحافي مصري


العنوان الأصلي
مع الحركات الإسلامية في العالم

الكاتب
حسام تمام

الناشر
مكتبة مدبولي