لليوم الثالث على التوالي يواصل وفد من مسلمي بريطانيا، يضم خمسة أفراد، جولته على عدد من الشخصيات والمؤسسات الإسلامية في لبنان في إطار برنامج تنظمه وزارة الخارجية البريطانية سبق له أن شمل تركيا وإندونيسيا. «الأخبار» التقت عضوين من الوفد وتحدثت معهما عن أهداف الزيارة التي تنتهي يوم السبت المقبل، فأكدا أنها للتعارف وتبادل المعلومات بين مواطنين يمثلون أنفسهم لا حكوماتهم
مهى زراقط
كانت صابرة لاخا تدير وجهها وهي تتحدث مع زميلها نديم كاظمي بصوت خفيض. تلتفت فجأة فتجد أن المسجّلة قد وُضعت على الطاولة. تسأل إن كان التسجيل قد بدأ، ولا توافق على الحديث إلا بعدما تتأكد من إعادة شريط التسجيل إلى بدايته. تطلب الأمر بلطف وترفقه بتبرير: «أنا لا أثق بالصحافيين»، رغم اعترافها بأنها شخصياً لم تمرّ بتجربة سيئة مع الصحافة «لكني أعرف الكثير عن مشاكل تعرّض لها زملاء لي».
صابرة، التي تدوّن الأسئلة كلّها على دفتر ملاحظات وضعته أمامها، لا تنسى أن تطلب في نهاية اللقاء: «كوني جيدة خلال كتابة المقال»، وتسأل مسؤولة قسم الإعلام والعلاقات الدبلوماسية في السفارة البريطانية عبير برير عن إمكان ترجمة المقال الذي سينشر إلى الإنكليزية لتقرأه.
يمكن هذا الحرص الذي تبديه لاخا أن يوحي بأن الكلام الذي ستقوله خطر، لكنّ المقابلة السريعة التي أجريناها معها ومع زميلها نديم، كانت عامة جداً بسبب ضيق الوقت، وخصوصاً أن جدول الزيارة يغصّ بالمواعيد. لا يمكن فهم هذا الحرص إذاً إلا بعد الاطلاع على خلفية السيدة الثقافية والعملية من جهة، وعلى أدائها خلال المقابلة من جهة ثانية.
صابرة لاخا هي عضو في المجلس التنفيذي في «الفدرالية العالمية لجاليات الخوجة الاثني عشرية»، كما أنها عضو في المجموعة الاستشارية النسائية الوطنية المسلمة لدى الحكومة البريطانية. تقول: «مثلاً، إذا أرادت الحكومة أن تقرّ تشريعاً ما، فأنا جزء من لجنة تقرّر إذا ما كان هذا التشريع ضد الجالية المسلمة في بريطانيا أم لا».
الأمر يختلف بالنسبة إلى نديم الذي تخونه العبارة بداية فيقول: «أنا أكره الصحافيين»، ليستدرك سريعاً: «أقصد أحبهم، فأنا كاتب أيضاً وعملت في عدد من المجلات ولديّ خبرة صحافية». نديم، من أصول باكستانية، هو مسؤول العلاقات الدولية في مؤسسة الإمام الخوئي، وممثل دائم لدى الأمم المتحدة. زار لبنان عام 2006 على رأس وفد بريطاني مسلم لتقصّي الحقائق المتعلقة بالحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان. زيارته السابقة إلى لبنان، تجعله يقول إن هدف الزيارة الحالية «شخصي جداً»، ولذلك لم يتردد في الموافقة على المشاركة في الوفد بعدما اقترح اسمه ممثلو الجالية الإسلامية.
نديم، الذي يحرص على القول إنه فرد من الجالية المسلمة البريطانية، يمثل نفسه: «حتى لو كانت زيارتنا تندرج في إطار مشروع لوزارة الخارجية»، يعتقد أنه من خلال هذه الزيارة قد يساهم في «ملء فراغ معرفي يتعلق بحياة مسلمي بريطانيا». من جهة ثانية، هو يطمح إلى التشبيك مع هيئات المجتمع المدني: «نحاول أن نكتشف كيف يمكننا التواصل بشكل أفضل».
تبدو صابرة، من أصول كينية، أكثر دقة في تحديد هدف الزيارة. «مهمتنا مزدوجة، نعرّف اللبنانيين إلى أنفسنا ونتعرّف منهم إلى هواجسهم وتطلعاتهم، لأنه إذا أردنا أن نتحدث عن بلد فعلينا أن نعرف مخاوف أبنائه. مثلاً، عندما اندلعت حرب 2006، كان يتوقع منا كمسلمين في بريطانيا وجهة نظر معينة. لا يمكن أن تكون لدينا وجهة النظر هذه من دون معرفة». علماً بأن صابرة أكدت أن وسائل الإعلام البريطانية قدمت آنذاك صورة تصفها بالـ«عادلة» للحرب. العدل بالنسبة إليها هو التوازن في نقل الصورة من الطرفين: «أعتقد أن الانطباع الذي تركته وسائل الإعلام عن «حزب الله»، مثلاً، كان جيداً».
ـــــ إذا كنتم تثقون بالصورة التي تقدمها لكم وسائل الإعلام، فلماذا أنتم هنا إذاً؟
ـــــ لأننا نريد أن نفهم مخاوفكم أو مصادر قلقكم حيالنا.
ـــــ عندما تقولين حيالنا، من تقصدين؟
ـــــ قد أكون أعني الناس التي تعيش في الغرب عموماً، وقد أعني مسلمي بريطانيا تحديداً. أشعر بأنه من واجبي كبريطانية أن أعكس واقع الجالية المسلمة لمسلمين مثلي يهمهم ما يحصل لنا، كما يهمني أنا أن أعرف كيف يعيش المسلمون في لبنان وغيرها من دول المنطقة.
تشرح صابرة أكثر، فتقول إنها استمعت خلال اليومين الفائتين إلى أسئلة كثيرة عن «رهاب الإسلام» (islamophobie) وعن المعاملة التي يتعرّض لها المسلمون عموماً والفتيات المحجبات خصوصاً، فخلصت إلى أن المسلمين في الشرق الأوسط لديهم فكرة معينة ناجمة عن السياسة الخارجية البريطانية ومواقفها من مسائل مثل حزب الله والقضية الفلسطينية والتحالف البريطاني ـــــ الأميركي. «أشعر بأنه من واجبي تعزيز الفهم بشأن هذه المسائل للوصول إلى هذه الحلول». تستطرد في محاولتها التمييز بين مواقف الشعوب والحكام، قبل أن تقول: «أتينا للتحدث إليكم كمسلمين بريطانيين، المعلومات التي يمكنكم الحصول عليها منّا أفضل من المعلومات التي يمكن أن تحصلوا عليها من دبلوماسيين. نحن نمثّل أنفسنا وهذا يجعلنا في موقع أفضل لنتحدث بكل حرية وصدق». يختار نديم تعبيراً صحافياً ليعبر فيه عن الفكرة نفسها: «يمكنكم اعتبارنا «سفراء للشعب»، هذه الزيارة هدفها التواصل والمعرفة. بالنسبة لي إنها علاقة بين مواطنين».
هدف ثان للزيارة تحدثنا عنه صابرة: «نحن كمجموعة شيعية نتابع فتاوي السيد محمد حسين فضل الله الدينية، وخطابات السيد حسن نصر الله السياسية، يعني لنا كثيراً أن نستطيع التعرّف عن قرب إلى هذين الرجلين والمجتمع الذي يعيشان فيه». لذلك تبدو سعيدة بالزيارة التي قامت بها أمس إلى السيد فضل الله، والزيارة التي قام بها الوفد إلى مؤسسات الإمام الصدر: «سألت العاملين عن رأيهم بحزب الله لأني أحب أن أعرف ماذا قدّم الحزب لوطنه وشعبه».
ويشارك الوفد عند الساعة السادسة مساء غد في لقاء حواري في المركز الإسلامي الثقافي في حارة حريك.