لم تعد ظاهرة الاحتباس الحراري من المسائل الخلافية. فالعلماء يجمعون على أن معدّل درجة حرارة الأرض يشهد ارتفاعاً مضطرداً، ما يزجّ الكوكب الأزرق في دوامة تغيّرات مناخية مرعبة. وكالات الفضاء تتطلّع إلى المساعدة في البحث عن حلول... ويعدّ القمر الاصطناعي الياباني IBUKI نموذجاً
روني عبد النور
يُعدّ ثاني أوكسيد الكربون أحد غازات الدفيئة التي تعمل على امتصاص الموجات الضوئية واحتجاز الحرارة، وهو ما ينظر إليه الخبراء على أنه من الأسباب البارزة الكامنة وراء احترار الكوكب. فعلى مدى السنوات الأربعين الماضية، أشارت القياسات المختلفة المأخوذة من مواقع أرضية عدة إلى أن كمية ثاني أوكسيد الكربون التي انبعثت نتيجة النشاطات الإنسانية المتنوعة تُقدّر هذه الكمية بنحو 330 بليون طن سنوياً، ويُعتقد هنا أن تركّز ثاني أوكسيد الكربون ارتفع من حوالى 280 جزءاً إلى ما يقارب 370 جزءاً في المليون منذ انطلاق الثورة الصناعية حتى اليوم، نصف هذه الكمية بقي عالقاً داخل الغلاف الجوي للأرض، أما الكمية الباقية، فقد امتصّتها المحيطات ومختلف الأنظمة البيئية الأرضية. لكن، ومع ذلك، ما زالت حالة من الغموض تعتري الدقة المطلوبة حيال كيفية مواجهة هذا التحدي، ولا سيما بسبب ندرة المعلومات الآتية من المناطق الاستوائية، حيث تتواجد أكثر الغابات المطرية كثافة. ففي الوقت الذي تقدّم فيه المراصد الأرضية أدلّة دامغة عن بؤرة كربونية في نصف الكرة الشمالي، إلا أنها لم تستطع تحديد الدور الذي تقوم به القارة الأميركية الشمالية والقارة الآسيوية وأحواض المحيطات في هذا الصدد. إضافة إلى ذلك، تعقّد حالة الغموض هذه الجهود الرامية إلى تحديد مستوى التركّز المستقبلي لثاني أوكسيد الكربون، وإلى استشراف كيفية ومدى تأثير ذلك على المناخ.
هذه المعطيات دفعت بوكالة الفضاء اليابانية JAXA إلى إطلاق قمر مراقبة غازات الدفيئة IBUKI أواخر شهر كانون الثاني الماضي من قاعدة مركز تانيغاشيما الفضائي. ويُعدّ IBUKI القمر الصناعي الأول المولج بمهمة من هذا القبيل، إذ سوف يُستخدم لقياس كثافة غازي ثاني أوكسيد الكربون والميثان من 56000 موقع داخل غلاف الأرض الجوي. أما المعلومات التي سوف يرسلها القمر، فسيستعان بها من أجل تعقّب نشاط غاز ثاني أوكسيد الكربون، وذلك بالتعاون مع وكالة الفضاء الأميركية NASA ومنظمات علمية دولية أخرى.


ووفقاً لوكالة الفضاء اليابانية، يحقق القمر، الذي يبلغ وزنه 1750 كلغ وتستمر مهمته لمدة 5 سنوات، دورة كاملة حول الأرض مرة كل 100 دقيقة تقريباً من على ارتفاع 667 كلم. وهو مصمّم كي يتمكّن من تحديد التغيّرات التي تطرأ على ثاني أوكسيد الكربون بمستوى دقة يبلغ جزءاً في المليون، أي ما يوازي معرفة قدر الملوحة الذي تضفيه أربع قطرات من المياه المالحة على حوض مائي يتّسع لـ 200 ليتر من الماء.
القمر الياباني مزوّد بجهاز الاستشعار TANSO-FTS لمراقبة نشاط ثاني أوكسيد الكربون، الذي يعمل جنباً إلى جنب مع جهاز استشعار الهباء الجوي والغيوم TANSO-CAI. ويقوم الجهازان بمراقبة مروحة واسعة من الموجات ضمن طيف الأشعة ما دون الحمراء من أجل تحسين مستوى دقة عملية المراقبة. فالعملية تشمل مراقبة الأشعة ما دون الحمراء الصادرة عن الشمس والمعكوسة على سطح الأرض، إضافة إلى الأشعة ما دون الحمراء الصادرة عن سطح الأرض وعن غلافها الجوي أيضاً. ومعلوم أن هذه الأشعة، عند اختلاطها بثاني أوكسيد الكربون، يجري امتصاصها من قِبَل مجموعة محددة من الألوان. لذلك، سيعتمد القمر على أسلوب الكشف عن عناصر ذات أطوال موجات معيّنة بغية تحديد مستوى تركّز غاز الدفيئة داخل الغلاف الجوي. وقد التقط القمر فعلاً كمية من الأشعة الصادرة عن تلك الغازات وأرسلها إلى الوكالة اليابانية كجزء من مهمته في مرحلتها الأولى. وسيجري العمل على دمج هذه المعلومات مع ما يتم رصده في المواقع الأرضية بواسطة أنظمة محاكاة متطوّرة.
ومع تواتر المعلومات الواردة من الفضاء، يأمل العلماء التوصل إلى فهم دورة الكربون الأرضية المعقدة. إذ ستساعد الخرائط التي يرسلها القمر في مجال معرفة مكان دخول ثاني أوكسيد الكربون إلى الغلاف الجوي ومعرفة أمكنة امتصاص الغلاف له. وصحيح أن هذه المعلومات لن تكون بمستوى دقة المعلومات المأخوذة من المواقع الأرضية، إلا أنها ستعوّض معضلة الدقة تلك من خلال مساحة التغطية الواسعة التي ستشملها.
أخيراً، تجدر الإشارة إلى قيام وكالة الفضاء الأميركية بمحاولة النسج على منوال التجربة اليابانية، عبر إرسال قمرها الخاص Orbiting Carbon Observatory. بيد أن هذه المهمة مُنيت بالفشل السريع بسبب عدم تمكّن القمر OCO، الذي بلغت كلفته 273 مليون دولار واستغرق إعداده نحو 8 سنوات، من الدخول في مداره قبل أيام قليلة، إذ تحطّم قرب المحيط في القطب المتجمّد الجنوبي بعيد إطلاقه، وذلك نتيجة خلل فني حال دون انفصال القمر عن صاروخه.