تخلى السياسيون عن بعض خلافاتهم أمس. جلسوا إلى طاولة وزير العدل، وبحثوا في اجتماعهم بعض الطروحات بشأن إلغاء عقوبة الإعدام. استمر النقاش ساعتين، وكما تتباين آراؤهم في السياسة، تباينت آراء المجتمعين بشأن عقوبة الإعدام.
احمد محسن
أعلمت وزارة العدل وسائل الإعلام، أن الجلسة المفترضة (بين عشرة نواب اللبنانيين ووزير العدل) لمناقشة بعض الطروحات المتعلقة بإلغاء عقوبة الإعدام، ستبدأ في الحادية والعشرة صباحاً. لكن النواب، كما تأخروا في بحث هذه المسألة، تأخروا عن موعدهم مع وزير العدل إبراهيم نجار. حضر ثلاثة منهم في الحادية العشرة والنصف فقط، قبل أن يتوافد البقية وينطلق الاجتماع في الواحدة تقريباً. أول المتحدثين بعد الجلسة المغلقة، كانت النائبة ستريدا جعجع، التي أطلقت موقفاً واضحاً من الموضوع، نبّهت خلاله إلى أن «القوات اللبنانية» كفريق سياسي، تؤيد إلغاء عقوبة الإعدام، من دون أن يفتها شكر وزير العدل على استطاعته جمع فريقي 8 و14 آذار لمناقشة قضايا حقوقية صرفة. لكن النائبة جعجع لم تستطع حصر الموضوع بالشق القانوني فقط، فتطرقت إلى تاريخ «القوات» مع العدلية، مستذكرة المرحلة السابقة، أو مرحلة «الوصاية والهيمنة السورية السوداء» كما وصفتها. تحدثت عن رفاق لها في القوات برّأهم القضاء بعد سجنهم، وعن تقديم حزبها مذكرةً إلى الوزير تضمنت «موقف الكنيسة الرافض للإعدام» وقضايا أخرى. النائب عن «حزب الله» نوار الساحلي، كان واضحاً هو الآخر، وأعلن رفض الفريق السياسي الذي ينتمي إليه لإلغاء العقوبة. وكما نبهت القوات في مذكرتها إلى موقف الكنيسة، فعل الساحلي الأمر نفسه؛ فعلل وجهة نظر «حزب الله» مستعيناً بإحدى آيات القرآن الكريم، التي تبشّر القاتل بالقتل ولو بعد حين. هذا لا يعني أن الساحلي كان متشدداً، فقد أعلن أن الحزب مستعد لنقاش المسائل الحقوقية إلى أبعد الحدود، كما لمح إلى أن الخلاصات المحتملة، قد تؤدي إلى إمكان تعليق هذه العقوبة لفترة، أو إلى رفع الأسباب الموجبة لتطبيقها. وقبل أن يختم، كرر الساحلي أن رأي الحزب نابع من قناعة دينية صريحة. وحده النائب طبارة، لم يستند إلى أي خلفيات دينية. لكن على الرغم من اللمحة المهمة التي قدمها طبارة، فإن رأيه بقي مبهماً بشأن الموضوع، إذ إن الموضوع جدي وحساس، كما أنه مطروح للحوار في معظم دول العالم، مذكراً بتجربة سابقة له في وزارة العدل. ذكر الوزير الأسبق أن وزارته تشددت في تطبيق قانون الإعدام عام 1994، وذلك لاعتبارات محلية مفهومة برأيه، بما أن لبنان كان لا يزال في طور الخروج من دوامة الحرب الأهلية البشعة. تعدى الأمر مسألة التذكير بالقانون السابق، فقد أوضح طبارة أن تطبيق الأخير «أدى إلى انخفاض مستويات الجريمة فعلاً كما بينت الإحصاءات»، من دون أن يلفت إلى الجهة التي قامت بالإحصاءات التي تحدث عنها. ولا يعد طرح الوزير لهذه الذكرى تمهيداً لاستعادها، فقد استدرك مطمئناً إلى أن «التشدد في تطبيق قانون الإعدام قد انتهى بغياب المبررات الموجبة»، بيد أنه في الوقت عينه، استنكر الوضع الحاضر في ظل العقلية السائدة في بعض الأماكن (قاصداً ذهنية الثأر)، التي تستلزم برأيه نقاشاً موسعاً في الموضوع. جزم طبارة أن لبنان، مثل أي من البلدان الأخرى، يملك وضعاً خاصاً ومعطيات اجتماعية مختلفة عن الدول الأخرى، ولهذه الأسباب يجتمع النواب عادة للبحث في شؤون تشريعية. توقع طبارة أن يبت بأمر إلغاء عقوبة الإعدام في وقت لاحق، ولم يخلُ تصريحه الإعلامي المقتضب من الإشارة إلى بعض الجرائم الخطيرة. النائبة نايلة معوض وافقت الوزير طبارة، في اعتباره بحث الموضوع أمراً هاماً للرأي العام اللبناني، ولهذه الأسباب كان النقاش واسعاً، وطغت الجدية على معظم تفاصيله. ولفتت معوض إلى أن المجلس النيابي السابق، نجح بإلغاء المادة 547 من قانون العقوبات (من قتل إنساناً قصداً عوقب بالأشغال الشاقة من خمس عشرة سنة إلى عشرين سنة) التي نعتتها معوض بالمجحفة في حق القاضي اللبناني، «لأنها تفقده هامش اتخاذ القرار». واستفاضت معوض، فدعت إلى تعديل قانون العقوبات من أساسه، وخصوصاً «المواد الست المتعلقة بالمرأة»، لا سيما أن «جرائم الشرف» ما زالت قيد الحماية القانونية.
وختم وزير العدل، فرحب «بأي لقاء تشريعي بعيداً عن الاصطفاف السياسي الحاصل»، منوهاً بالجدية التي اتّسمت بها الجلسة. وعلى هامش اللقاء، أعلن النجار أن المحكمة الدولية ملتزمة بتطبيق القانون اللبناني (الذي يسمح بالإعدام حت الآن). فات وزير العدل أن يذكر أن القرار 1757 (قانون إنشاء المحكمة) نص على ضرورة استثناء عقوبتي الإعدام والأشغال الشاقة من العقوبات المفترضة على المحكومين في المحكمة الدولية.