رنا حايك
في جزر الفارو الواقعة في أقصى شمال أوروبا بين البحر النرويجي والمحيط الأطلسي الشمالي، وبين النروج وآيسلندا، يتّبع السكان تقليداً يتوارثونه منذ أكثر من 1200 سنة، ويثير اليوم جدلاً في أوساط المنظمات البيئية العالمية. فهذه المنظمات تراه غير ضروري، وتعترض على العنف في ممارسته، إذ إنه يودي سنوياً بحياة حوالى 950 حوتاً من نوع «الحوت المرشد»، من خلال عملية صيد احتفالية، بالإضافة إلى أنه ينتج لسكان الجزر السبع عشرة غذاءً مسموماً لما يحتوي عليه لحم هذه الحيتان من مواد خطرة كالزئبق.
إلا أن لحم الحوت وشحمه يمثّلان غذاءً أساسياً للفارويين. فالشروط المناخية الصعبة في هذه الجزر حرمت سكانها من إمكان إنتاج الحبوب وزراعة الخضار، لتجعل من السمك خياراً غذائياً وحيداً يمدهم بالفيتامينات اللازمة. عمل هؤلاء الأجداد تقليدياً على اصطياد الأسماك، وخصوصاً الحيتان، وحفظها بعد تمليحها وتجفيفها، زاداً لأيام الشتاء القارس.
وتُصطاد الحيتان وفق طقس ترعاه قوانين وتشريعات خاصة به وضعتها السلطات الحاكمة التي لم تتوصل إلى تحقيق الاستقلال رغم مطالباتها المتكررة به منذ عام 1948، حين أُتبعت بالتاج الدنماركي.
فحين يظهر فوج الحيتان على مشارف الجزر، ينطلق الرّسل في أنحاء الجزيرة داعين الأهالي للتجمع أمام الشاطئ، بينما تضاء المنارة. يتجمع الأهالي، وخصوصاً النساء منهم، الذين اكتفوا تاريخياً بدور المشاهدة، بينما يستقل الصيادون مراكبهم وينطلقون لمحاصرة الفوج المتقدم، ومن ثم استدراجه نحو الشاطئ عبر حبسه وراء شبكة عملاقة ترمى في المياه، أو باستهدافه عبر خطافات غير جارحة تغرس في فتحات التنفس لتُجرّ السمكة. أما بعد وصولها إلى الشاطئ، فتُقتل بغرس سكين خاص في حبلها الشوكي، ما يستتبع نزفها كميات هائلة من الدماء ومن ثم موتها خلال فترة زمنية تتراوح بين بضع ثوان إلى دقائق عدة.
ورغم أن تصدير الأسماك يؤمن العائدات الأساسية لاقتصاد هذه الجزر، إلا أن الحيتان لا تصدّر. فبعد اصطيادها، تُقسّم «الغلة» بالتساوي لتُوزّع على جميع السكان، حتى أولئك الذين لم يشاركوا في طقس «الغرند». وبينما تعترض منظمات بيئية مثل «Green Peace» على المشهد الدموي في طقس الصيد، وعلى احتواء اللحوم على كميات عالية من السموم والزئبق، ولا يحاججون بخطر الانقراض بعدما قيّمه «الاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة» بـ«الطفيف»، يدافع الأهالي عنه تقليداً يمارس فقط بحق الحيتان القليلة التي تقترب من الشاطئ، وبهدف غير تجاري، بينما لا يقارن عنفه بذلك الذي يمارس ضد المواشي والدواجن التي تملأ لحومها أرفف السوبرماركت.