strong>كامل جابرخلعت بلدة النميرية لونها القروي العتيق، المرقّط بأبنية حديثة، ولبست جدران البيوت والدكاكين في ساحتها القديمة، وتلك المتفرعة شمالاً أو نحو القبلة؛ ثوباً «مبتكراً» من الإسمنت الأبيض والرمل الأصفر (تلييس)، ما أضفى عليها شكل المسرح المرمّز بأدوات الفلاحين وعاداتهم ونماذج حياتهم.
والفكرة، غير المسبوقة، في مدن الجنوب وبلداته، جاءت نتيجة مساعدات مالية، تلقتها البلدة، من خلال بلديتها، بعد عدوان تموز 2006، واستقر الرأي على وجهة صرفها في استعادة «اللون التراثي الموحد، فنحن أردنا بعد العدوان أن تعود بلدتنا أجمل مما كانت بعدما عرضت علينا جمعية «إنماء» المساهمة في إزالة آثار العدوان. فاقترحنا أن نوحّد ألوان البيوت والدكاكين والجدران بعمل تراثي لافت، واهتدينا إلى هذا النمط»، والكلام لرئيس البلدية الحاج علي زبيب.
الواضح من الأعمال المنفذة في النميرية تأثر المشروع بالقرية «الشامية» العتيقة التي رسمتها أعمال الديكور والخلفيات في مسلسل «باب الحارة» الذي عرض على الشاشات بفصول متتابعة. وقد تجلى ذلك، في البوابة الضخمة التي نفّذت بالإسمنت عند المدخل الشرقي للضيعة. يتجاوز ارتفاعها خمسة أمتار، دفتاها الإسمنتيّتان مفتوحتان، وزيّنت بالرسم والتدوير لتبدو كأنها مصنوعة من الخشب. يقول زبيب: «تركنا البوابة مفتوحة لأن البلدة التي فيها مقاومة لا تقفل أبوابها».
هذا النموذج الذي يشبّهه رئيس البلدية بـ«الفن القديم المكرّس لنمط الحجر الصناعي المستخدم في البيوت العتيقة»، لم تكن فكرته «بالبال، ولم نخطّط لأن يغطي قسماً كبيراً من الضيعة، غير أنه عندما وجد استحساناً لدى الكثيرين من أبناء البلدة، بدأ يتّسع، فبدأنا مرحلة أولى ثم ثانية وثالثة تنقّلت بين شارع وزاروب، غطت كل واحدة من سبعة بيوت إلى عشرة، حتى تمكّنا من تنفيذ ستّ مراحل غطت أكثر من ستين بيتاً».
لا ينفي زبيب معارضة بعض أبناء البلدة المشروع، رافضين أن يغطي النمط الجديد جدران بيوتهم «لكنهم قلة قليلة، والبعض الآخر رفض أولاً ثم قبل الفكرة. فالمشروع يغطي كلفة «تلييس» كل واجهات البيت، والمادة المستخدمة طبيعية (من رمل وبودرة الرخام) وصلبة فتعمر طويلاً ولا حاجة إلى صيانتها، وخصوصاً أننا نلجأ إلى تشميعها بعد تنفيذها».
ويشير زبيب إلى «أننا نسعى إلى تسجيل قريتنا كمعلم سياحي في وزارة السياحة اللبنانية، وخصوصاً بعد إقبال السائحين باتجاهها للاطّلاع على النموذج الفني التراثي المميز فيها».
وخلال التنفيذ لم تغب أعمال الرسم التي لم تترك زاوية وإلّا حاولت أن تمثّل فيها الحجارة القديمة لكن بطريقة أقرب إلى الكاريكاتوري. فعلى جدار أحد المنازل نحتت أعمدة تشبه تلك التي ترتفع في هياكل بعلبك، وعلى جدار منزل آخر نحت (ملون) لجذع شجرة وأغصانها الوافرة. وفي كل أرجاء القرية جرار معلّقة هنا وهناك، وقد صبت بالإسمنت لتقاوم الكسر. كما أن هناك نموذجاً لعين ماء مصنّع من الإسمنت، بالطبع لن تصله المياه يوماً.
بعض أهالي القرية يرحّبون بأعمال التلييس، ففلاح زبيب «يرى أن الرسوم التي غطت منزله المؤلف من طبقتين تحمل مواصفات التجميل الموحّدة اللون، والتي تتميز عن بعضها بعضاً بالأشكال، فصارت بلدتنا كأنها مزينة طوال العام وفي مختلف المواسم».
ويؤكد أن الكثير من بيوت الضيعة كانت غير مطليّة وتحتاج إلى تأهيل وتلييس «فوجدها بعض الناس مناسبة لتلييسها بالمادة الجديدة، ولا ضير من بعض الرسوم والأشكال».
ويشير البعض إلى أمور غير مرضية بدأت تظهر هنا وهناك، يقول سعيد حمدان: «بدأ التفسّخ يظهر في هذا البيت أو ذاك. فضلاً عن أن خطوط العتبات التي نفّذت بمادة التلييس أتت معوّجة ومزيفة ولا تشبه القديمة المبنية من الحجر الصخري».