صيدا ـــ خالد الغربييوحي مشهد مئات الإطارات المرمية عشوائياً على رصيف بحر صيدا، قرب مكبّ نفاياتها الشهير الذي لا ينفكّ ينهار، وبالتقسيط المريح في بحر صيدا، أن ثمة استعدادات لتنفيذ حركة احتجاج ما في المدينة. لا بل إن كمية الإطارات الكبيرة قد تدفع للاعتقاد بأن هذه الأخيرة ستتحوّل إلى «دشم» في مواجهة عدوان محتمل ما قد يأتي من جهة البحر.
لكنّ الحقيقة مختلفة بالطبع. لا «انتفاضة» ستحصل ولا «عدوان» سيقع، والأمر لا يعدو كونه تحويلاً للمكان إلى مكبّ للإطارات المنتهية صلاحيتها، يرمي فيه بعض أصحاب محال إصلاح وبيع الدواليب من المنطقة وجوارها ما هو تالف من بضاعتهم، بكميات كبيرة، ورويداً رويداً، أخذت الكمية «تنمو» تحت نظر مكبّ النفايات المتعملق، وفي رعايته الكاملة.
«بيت الضيق يسع ألف صديق، فكيف إذا كان البيت جبلاً للنفايات» هكذا تعلّق المدرّسة فاطمة الرز، التي كانت موجودة في المكان لالتقاط صور بالفيديو للمكبّ، تنوي عرضها لاحقاً على تلامذتها في مدرسة رسمية جنوبية، بهدف شرح ما يسبّبه المكب من ضرر بيئي وتلويث للشاطئ. وتضيف السيدة بسخرية: «شو رح يوجعو بطنو إذا خلّف مكب زغير (تقصد المكب الأم)؟ أكيد لأ».
لكن هذا الأمر لا يعني كثيراً رماة الدواليب المنتهية الصلاحية، الذين يفرغون حمولاتهم تحت جنح الظلام، غير عابئين بحجم الضرر الذي يسبّبونه. وهذا ما يطرح بعض التساؤلات عما إذا كان هناك من يغضّ النظر عن هؤلاء، أو أن الأمر يحصل بطريقة عشوائية بعيداً عن نظر المعنيين الذين يبدو أنهم غير معنيّين «إذا كان الأمر كذلك، فمن هي الجهة المسؤولة عن قمع هؤلاء؟»، يسأل الحاج أبو أحمد الذي يدير ورشة صناعية على بعد مئتي متر من مكب النفايات. لا ينتظر إجابة، لأنه يعرف أنّ «طاسة المسؤولية ضائعة، والله يحمينا من كارثة أو من حريق هائل». ويروي هذا الرجل أنّ حريقاًً هائلاً نشب قبل أشهر عندما أضرم مجهولون النار بالدواليب بهدف إخراج الأسلاك النحاسية منها وبيعها، لكنّ شرارات الحريق تطايرت وأصابت معملاً لفرز المواد البلاستيكية، فاحترق، واستغرق إطفاؤه ساعات طويلة. يقول: «يومها كان الأمر يقتصر على بضعة دواليب رُميت في المكان، فما بالك اليوم وقد تحوّل المكان إلى مكبّ للدواليب؟ ماذا سيحصل لو جاء أحدهم وأضرم النار في هذا المكبّ؟».
يسأل أحد هواة الصيد البحري بالصنارة محمد شبايطة عن مصير هذه الإطارات، واضعاً احتمالات عدة: «قد تُلقى في البحر أو تدفن في مكانها، أو يمكن أن تسبّب حريقاً. وفي كلّ الأحوال، تكون النتيجة كارثة بيئية». يتدخل أحد المارة جازماً: «مصير المكبّ المستحدث مرتبط بمصير المكبّ الأصيل».