strong>قاسم س. قاسم
«يا حبيبي ممنوع تفوت بدو يكون معك بطاقة». يقف ربيع حيدر أمام حارس بوابة حرج بيروت محتاراً، فهو أراد بكل بساطة أن يمضي وقتاً في حرج يبدو مغرياً للناظر، وخصوصاً أنه كان من سكان بيروت التي تكاد تختنق بباطونها. لكن، باستطاعة حيدر أن يدخل قسماً آخر من الحرج «الممنوع»، وهو الذي يقع مقابل بوابة قصقص. ومع أن حراساً آخرين هناك عند البوابة، فلا أحد يمنع الروّاد من الدخول. والسبب؟ أن هناك قسمين للحرج الذي أعاد تشجيره الفرنسيون بالصنوبر قبل سنوات: قسم «المنطقة الخضراء»، التي تشبه «ملاعب الغولف» كما يقول حيدر، و«قسم شبيه بصحراء تتخلّلها بعض الواحات».
في المنطقة «الصحراوية»، تستقبل المتنزِّه طريق إسفلتية، تتناثر حولها بعض المقاعد الخشبية، أمام صفّين من الأشجار. داخل الحرج هادئ، لا تكسر صمت المكان سوى الأصوات المرتفعة من الملاعب القريبة في قصقص. تقترب من السياج الذي يفصل بين قسمي الحديقة. النظر مسموح به لكن المرور ممنوع. أصلاً ليس هناك باب لتمرّ عبره.
تنسحب من الحديقة محاولاً الدخول من ناحية مضمار سباق الخيل. هناك يجلس رجل أربعيني داخل كشك، البوابات مفتوحة لكن ضمن الأوقات المحددة للزيارات. تنسلّ إلى الداخل، فيلحق بك الحارس صارخاً: «ممنوع تفوت»، تسأله لماذا الأبواب مفتوحة إذاً؟ فيجيب: «الزيارات مسموح بها لناس محددين معهم بطاقة». يدور نقاش مع الرجل الذي يُظهر تململاً. تستفسر عن طبيعة «الناس المحدّدين»، فلا يجيب. بالنسبة إليه من معه بطاقة «بيفوت عادي». ينسحب الرجل من دون أن يجيب عن الأسئلة التي تعتمل في النفس. كيف يمكن المواطن أن يحصل على تصريح؟ ما هي الشروط؟ والسؤال الرئيسي: لمَ التصاريح لمجرد التنزه في حديقة يُفترض أنها عامة؟
يجيب عضو في بلدية بيروت رفض الكشف عن اسمه عن طبيعة هذه الإجراءات والتصريحات. الحرج مفتوح أمام الجميع من ناحية قصقص، أما المنطقة المحاذية لميدان سباق الخيل، فهي ممنوعة لمنع «من هبّ ودبّ من الدخول»، يقول الرجل بكل راحة بال، مضيفاً: «في البدء فتحنا الحرج أمام الجميع لكن الناس أتلفوا الزهور، وكانت هذه الطريقة الأجدى للمحافظة على جمال الحرج». أما عن طريقة الحصول على تصريح فيقول: «التصاريح تصدر عن محافظ بيروت بعد إظهار إخراج القيد الفردي وصورة عن الهوية». يضيف: «التصاريح لا تعطى لمن هم دون الثلاثين عاماً. وفي إمكان الجميع الحصول على هذه التصاريح شرط توافر الشروط المطلوبة». إذاً، الزيارات ممنوعة للحرج لمن هم دون الثلاثين. ولا تعطى التصاريح إلا بعد إبراز الهوية وإخراج القيد، وممنوع على «الكوبلات» الدخول. والسبب هو «الاهتمام بجمال الحرج والحفاظ على جماليته»، كما يقول عضو البلدية، دون أن يشرح كيف من الممكن أن يكون ذلك!
حالما يسمع حيدر لائحة الإجراءات المطلوبة للتنزّه في الحرج ينخرط في الضحك قائلاً: «شو أنا فايت صلّي الجمعة بالقدس؟»، إشارة إلى الإجراءات المشدّدة التي يتّخذها الإسرائيليون كل نهار جمعة.