خالد صاغيةيعترف كلا الفريقين المتصارعين في لبنان بأنّ أيّاً منهما لن يتمكّن من كسب الانتخابات النيابيّة بفارق كبير من الأصوات. إذا أضفنا إلى هذه المسلّمة واقع الفرز الطائفي، يتبيّن لنا أنّه لن يكون بمقدور أيّ طرف حُكْم البلاد منفرداً. أيّ مكابرة في هذا الشأن، ستُدخِل البلاد في وضع شبيه بما كانت عليه خلال السنوات الثلاث الماضية. لذلك، لا بدّ من خرق هذه الثنائيّة خلال الانتخابات، وإن من خلال كتلة صغيرة تمثّل بيضة القبّان في المجلس المقبل، ونقطةَ استقطاب قد تجذب إليها نوّاباً آخرين ممّن ركبوا بوسطات 8 و14 آذار. لقد وُوجِه طرح الوسطيّة بانتقادات شديدة لم تكن في محلّها:
قيل، أوّلاً، إنّ الكتلة الوسطيّة مجرّد قناع لأحد الفريقين. فمواقفها في المجلس العتيد ستكون داعمةً لكتلة 14 آذار. لكنّ هذا التخوّف ليس في محلّه، لأنّ الكتلة الوسطيّة بطبيعتها لا يمكنها أن تتّخذ موقفاً حازماً من الأمور المصيريّة والحسّاسة. وقد كان معبّراً موقف النائب ميشال المر من سلاح المقاومة بعد جلسة الحوار الأخيرة.
ثانياً، قيل إنّ الوسطيّة مستحسنة شرط ألا يكون مرشّحوها متّهمين بالفساد كميشال المرّ. لكنّ الطبقة السياسية بأسرها متّهمة بالضلوع بالفساد أو باللهاث وراء مواقع لتمارس فيها الفساد. الوسطيّ فاسد، لكنّه يتساوى في ذلك مع مرشّحين من الكتلتين الكبريين.
ثالثاً، قيل إنّ عيب الطرح الوسطيّ هو اقتصاره على أسماء مرشّحين مسيحيّين دون غيرهم من الطوائف الأخرى. وهذا عيب فعلاً، لكنّه يكفّ عن كونه كذلك حين يعترف الجميع بأنّ اتفاق الدوحة وتقسيماته حصرت المعركة الانتخابية الفعلية على المقاعد المسيحية.
رابعاً، قيل إنّ هذه الكتلة الوسطيّة هي بدعة يراد منها إضعاف ميشال عون. لكنّ الجميع يعلم أنّ لميشال عون حصّة مضمونة من النوّاب، والكتلة الوسطية في حال نجاحها قد تحرمه (أو تحرم خصومه) من عدد معيّن. لكنّ ذلك ليس سيّئاً بالضرورة. فليس مطلوباً من المسيحيين أن يرتكبوا خطيئة الطوائف الأخرى، ويتكتّلوا وراء زعيم واحد أحد. المطلوب هو عكس ذلك، أي إضعاف القبضة الواحدة على الطائفة الواحدة.