صيدا ـــ خالد الغربيكان لمدينة صيدا الساحلية موعد عاصف مع الشتاء هذا العام. فقد جرفت سيول الأمطار الغزيرة التي صاحبت العواصف المتتالية خلال الشهر الفائت زفت بعض الطرق في المدينة محدثة حفراً انتشرت في العديد من الطرق الرئيسة فيها. حفر أصبحت بمثابة كمائن تصطاد السيارات العابرة وتقضّ مضاجع السائقين ممّن «أكلوا الضرب» بعدما فاتهم الانتباه لتموضعاتها. فهي تبدو كالقطب المخفية، لتصبح النجاة منها عملاً بطولياً، يصفه المواطن محمد صوان، بعدما اجتاز طريق القناية ـــــ القياعة ـــــ طلعة المحافظ، قائلاً «إنه امتحان للشوفرة (قيادة السيارة) ولعبة قط وفأر، أو لعبة غميضة».
امتحان يجتازه صوان مطلقاً المثل اللبناني الشائع «كل شيء في لبنان زفت بزفت إلا طرقنا: ليس عليها الزفت».
لم تقتصر أضرار السيول على الطرق المعبّدة قديماً، بل طالت أيضاً تلك التي لم يمض وقت طويل على «ترقيع» حفرها، إذ نجحت الحفر القديمة في إعادة إنتاج نفسها متحدية من نفذوا عملية «تزفيتها» لتظهر ما يسمّيه المهندس المدني محمد سعد «افتضاح مسألة غياب الرقابة على المشاريع والتلزيمات». ويوضح سعد «أن طبقة الزفت التي غطت الطرق خلال تنفيذ مشاريع التأهيل والترقيع كانت رقيقة جداً، فيما لم يكن البحص الذي مدّ تحتها مرصوصاً جيداً، ما جعلها تسقط عند أول امتحان جدي لتبدو عدم قدرتها على التحمل جلية».
وكانت «تباشير» هذه الهشاشة في عملية تأهيل الطرق قد بدأت بالظهور منذ قبل هطول الأمطار، إذ إنها قد تعرّضت لتشققات و«خسوفات» في أماكن عديدة، بدت كأنها مجرى نهر يشق الطريق أو واد يحتل طرف الشارع.
ففي داخل مدينة صيدا، وعند تقاطع السرايا ـــــ زاروب النجاصة، أي بالقرب من المقبرة الجماعية للشهداء الذين سقطوا إبان الاجتياح الإسرائيلي للمدينة عام 1982، بدت الحفر المنتشرة كمقبرة ثانية محاذية، تترصّد، على شكل كمائن من الحفر، السيارات المارة عليها.
وكلما ازداد عبور المزيد من السيارات فوقها، كان قطر هذه الحفر يتوسّع. فأصبح السائقون مسؤولين، عن غير قصد منهم، عن تعميقها وعن الإمعان في إزالة زفتها، بالإضافة إلى التسبب في حوادث سير متفرقة.
هكذا شهدت هذه الطرق «حوادث سير طفيفة، بعدما فوجئ عدد من السائقين بوجود هذه الحفر، وتوقفوا فجأة، ما جعل السيارات تبوس (تقبل) بعضها بعضاً، أي يصطدم بعضها ببعض»، كما يروي صاحب إحدى عربات الخضر، أبو أحمد الحسن، موافقاً المهندس سعد على رأيه بشأن ضرورة مراقبة التلزيمات ومراقبة المواصفات والشروط الفنية، وغامزاً «يبدو أن الزفت الانتخابي والتلزيمات بالتراضي هي أمور آيلة للسقوط مع المطر».
ولحسن الحظ، لم تؤد هذه الحفر ولا الأمطار الغزيرة إلى فيضان مجاري الصرف الصحي في المدينة، بعدما استبقت بلدية صيدا العاصفة بتنفيذ إجراءات ميدانية وقائية مثل تنظيف المجاري من الأتربة التي تكدست بداخلها، وتنظيم ممر آمن للمياه المتدفقة داخل هذه المجاري باتجاه البحر، ما وفّر على المدينة تكرار مشهد السنوات السابقة حيث كان انسداد المجاري وعدم استيعابها كميات المطر المتساقطة يؤديان إلى حصول طوفانات فيها.


حتى طريق النافعة غير نافعة

ربما من الطريف أن تكون الطرق المؤدية إلى دائرة الميكانيك في صيدا، النافعة، «غير نافعة» لما يتخللها من الحفر، فضلاً عن أن قسماً منها غير سوي بفعل بعض الأشغال التي جرت سابقاً. صدفة يعلق عليها أحد السائقين العموميين، رضوان الصفاوي قائلاً «لو كان للنافعة لسان، لكانت حكت عن مأساوية الطريق المؤدي إليها. إذ يبدو أننا لسنا بحاجة في منطقتنا إلى نمرة للسيارة من النافعة، بل إلى عداد يحصي الحفر في طريقنا إليها».
فالسائقون يتساءلون عن الجدوى من دفع رسوم المعاينة وإجراء الميكانيك في ظل اهتراء الطرق وما ينتج منه من أضرار وأعطاب تصاب بها سياراتهم.