طوابير السيارات المصطفة يومياً عند المداخل الأربعة لمخيم نهر البارد، والإجراءات العسكرية التي تطيل انتظارها ما لا يقل عن ساعة، جعلت عودة المخيم لسابق عزه كسوق تجارية رئيسية للجوار اللبناني أمراً دونه الكثير من العقبات
طرابلس ـــ عبد الكافي الصمد
بأسى وحزن بالغين يتحدث أغلب من عايشوا الحركة التجارية التي كانت في مخيم نهر البارد في السنوات التي سبقت أحداث عام 2007. إذ كانت «الحركة فيه لا تتوقف، وكان إقبال الزبائن عليه من عكار والمنية وطرابلس قد حوّله إلى خلية نحل تضج بالنشاط؛ فأغلب ما كان المتسوّق يرغب بالحصول عليه، كان موجوداً وبأسعار متهاودة. لكن كل هذا انقضى، والأمل بعودته ضعيف»، وفق تعبير عيسى حمدان، الرجل الستيني القاطن في مخيم البداوي الذي كان يزور البارد مع عائلته باستمرار، للتسوق والتزود بالضروريات.
وإذا كانت حال زبائن البارد وزواره بهذا الشكل، فإن وضع تجاره وأصحاب المحال فيه لا يقل مرارة وصعوبة، بعدما «ضاع جنى العمر أمام أعيننا في أيام معدودة، وأُدخلنا في بازار سياسي وأمني لا علاقة لنا به»، على حد قول رئيس لجنة التجار في المخيم حسن موعد.
فمن أصل نحو 1500 مؤسسة تجارية كانت موجودة في البارد قبل الأحداث، يوضح موعد أنه «لم يعد منها سوى قرابة 350 مؤسسة فقط، أغلبها صغير لا يتجاوز رأسماله 4 آلاف دولار أميركي، أما المؤسسات المتوسطة التي يزيد رأسمالها على 50 ألف دولار، والتي تقدر بنحو 300 مؤسسة، فلم يعد أحد منها بعد».
هذا الوضع دفع موعد، الذي يملك محلاً لبيع ألبسة العرائس وتجهيزات المنازل، للإشارة إلى أن «فرص العمل انعدمت في المخيم، ونسبة البطالة مرتفعة جداً في أوساط الشباب، عدا أن قلة السيولة المالية لدى النازحين العائدين، الذين لم يتجاوزوا حتى الآن 40 في المئة، فرضت واقعاً لا يمكنه أن يسهم في تحريك عجلة الحركة التجارية».
وإذ يشير موعد وأغلب تجار المخيم إلى أن «الإجراءات الأمنية على المداخل تمنع دخول الزبائن من الجوار اللبناني، الذين يضطرون لاتنتظار طويلاً، فضلاً عن شرط حصولهم على تصريح مسبق بالدخول، إلى جانب تعقيدات إدخال البضائع وإخراجها، وهي مشكلة تحتاج إلى معالجة بشكل يمهد لعودة أعمالنا تدريجياً»، فإنه وبقية التجار يكشفون عن مشاكل أخرى لا تقل أهمية.
من هذه المشاكل الديون والسندات المصرفية المترتبة عليهم، والتي «تجعلنا ملاحقين قانونياً، ومهددين بالتوقيف والحبس لأننا ببساطة لا نستطيع تسديدها» وفق موعد. فيما يشير علي عوض (تاجر ألبسة وأحذية) إلى أن «لي ديوناً بقيمة 50 ألف دولار على زبائن لبنانيين، لم أستعد منها سوى ألفين، فقد رفض البعض ردّ دينه، ولو فعل لحلت مشاكلنا»، وهو أمر يشاركه فيه نادر السعيد (صاحب محل دهانات) عندما يلفت إلى أن له ديوناً بحدود 7 آلاف دولار «لم يرجع منها شيء، لا من داخل المخيم ولا من خارجه»، مقترحاً على المسؤولين «عدم ملاحقتنا وإطالة فترة السماح بتسديد السندات»، يؤيده في ذلك د. عمر كنعان (صاحب مستوصف ومحل لبيع الحليب)، عندما يلفت إلى أن ديونه بحدود 130 ألف دولار، وقد «راجعت مؤسسات خيرية عدة لمساعدتي، إلا أن جوابهم كان أن لا علاقة لهم بالموضوع».
وسط هذه الأزمات برز اقتراح بنقل سوق البارد إلى خارجه على أوتوستراد المنية ـــــ العبدة الدولي المجاور للمخيم، وهو أمر لا يراه موعد ممكناً، فكما أنه «لا يمكننا أن نعيش في جزيرة معزولة، فإننا لن نستغني عن البارد، إذ عدا أن الحركة التجارية فيه ارتبطت بحياة الناس، فإن أغلب التجار لا قدرة مالية لهم على الانتقال».
وإذ يوضح موعد أن قرابة «50 مؤسسة انتقلت خارج المخيم، إلا أن أصحابها ملزمون بدفع بدل إيجار هناك، فيما محالهم داخل المخيم كانت ملكاً لهم»، وهي نقطة يوضحها عوض بإشارته إلى أن الفلسطيني «ممنوع من التملك في لبنان، كما أن دفع مبلغ يتراوح بين 200 إلى 300 دولار شهرياً يمثّل عبئاً»، لافتاً إلى أنه «كنت أملك في البارد أكبر صالة لعرض وبيع الألبسة والأحذية، وفيها بضائع بأكثر من 300 ألف دولار، إلا أنها نهبت أو احترقت، وحالياً بدأت عملي من الصفر بعدما استأجرت محلاً لا تزيد مساحته عن 30 متراً مربعاً».
ومع أن الأونروا قدمت هبات مالية إلى نحو 350 مؤسسة صغيرة تراوحت بين ألف و4 آلاف دولار، لاستعادة نشاطها مجدداً، فإن السعيد يؤكد أن تجار البارد «الذين عادوا إلى عملهم فيه بقدرة تقارب 10 في المئة من قدراتهم السابقة، لا إمكانات لديهم للخروج منه، وإذا لم تفتح أبوابه أمام زبائن الجوار، فلا أمل باستنهاضه مجدداً»، مشدداً على أن قضية البارد «لا تختزل بتجّاره فقط، بل هي مسألة علاقة أخوية مع الجوار اللبناني عمرها أكثر من 50 سنة، وينبغي أن تستمر».