نزار سليمانإنّها الثامنة ليلاً. تخرج بحذر من خط التماس (جبل محسن vs باب التبانة)، تدخل محلّة القبة في طرابلس وتجد في استقبالك التيار الكهربائي المقطوع.
تمرّ إلى جانبك الدراجات النارية، يستعرض أصحابها حركات بهلوانية رغم مخاطر الطريق المليء بالمفاجآت التي خصهم بها المتعهد، منها الحفر والمطبّات.
أمعاء المقاهي خرجت إلى الشارع لكثرة السهّيرة الذين أبوا البقاء في المنازل المظلمة، وقرروا إحياء سهرتهم على وقع أصوات مولدات الكهرباء العاملة على المازوت (ما الضير إذا كان دخان النارجيلة يعلو فوق كلّ اعتبار).
تلمح من البعيد نوراً ساطعاً، يتجلّى أكثر كلّما اقتربت، لتظهر معالم صورة زعيم سياسي كبيرة، يشعّ من وجهه نور فيخيّل إليك أنه فجر الإيمان المصحوب بالأمل. لكنّه ليس الوحيد في هذا الشارع، فبعد أمتار قليلة تبدأ سلسلة من الجداريات المدعّمة بالحديد لصور الزعماء المحليين. وكيفما نظرت تأتِك الابتسامات والوجوه البشوشة فضلاً عن «البوزات» والوقفات الاستعراضية والبدلات «السينييه».
لكن لن تكتمل زيارتك إن لم تمرّ على أصحاب المولّدات ومكاتب الاشتراكات، المقصودين في مقولة: «مصائب قوم، عند قوم فوائد» إذ سترى بأم العين كيفيّة تحقيق الثروة في أسرع وقت. فحتّى في أحلك الظروف، حين يمتنع الناس عن دفع اشتراكاتهم، سيبقى هناك من يريد إضاءة صور الزعماء لينير ليالينا التعيسة ... والكهرباء لا تزال مقطوعة.