وليد المحبنسمع أغنيات رائعة، قد نحفظ أسماء مغنّيها، ولكننا لا نسأل كثيراً عمّن كتب كلماتها، ونادراً ما نسأل عمن أبدع في تلحينها حتى تصل إلينا بوقعها المحبّب. نبصر لوحة، تعجبنا، وقليلاً ما نهتم باسم راسمها حتى لو كان عظيماً بحجم ليوناردو دافنشي لأن اهتمامنا يذهب نحو الخيط الرفيع بين الحزن والسرور في عيون الموناليزا. ولكن من حقّ المبدعين أن تُدرج أسماؤهم في سجلّ الخالدين، ذاك السجل الذي لا يملك حق التدوين على صفحاته إلا من ارتقى إلى مستوى الإفادة من قَبَس أولئك المُبدعين وكان أهلاً لتلقّي إبداعاتهم.
كانون الثاني 2009 كان شهراً أليماً على اللبنانيين، فقد غيّب هادم اللذات اثنين من العظماء الذين رفعوا رأس لبنان عالياً بين الأمم قاطبة. وقد قرأنا أكثر من رثاء كتبه أكثر من محزون على رحيل الفنان منصور الرحباني. ونيابة عن كثير من المثقفين اللبنانيين نأخذ على عاتقنا رثاء علم من أعلام الثقافة في لبنان، الراحل الكبير خليل حبيب صايغ.
من منّا لا يملك حنيناً إلى طفولته؟ ومن منّا لا يذكر عبق كتب الأطفال التي جعلته يحلّق مع خياله ويستشعر بهجة النظر إلى صفحاتها؟ ومن منا لم تستوقفه خارج سياق القصة، وعلى صفحة غلافها عبارة «مكتبة لبنان؟». لقد رحل مؤسس «مكتبة لبنان» فانسلخ من لبنان جزء أصيل يضاهي أصالة المعرفة والثقافة في وطن ثروته الوحيدة إنسانه.
كان خليل صايغ حفيد اللبنانيين الأوائل بامتياز، إنه من تلك الذرية المباركة التي صدّر أبناؤها الحرف إلى العالم. فقد أنشأ ذاك الرجل ـــــ طيب المعشر ـــــ مؤسّسة بدت على مستوى العالم العربي كشجرة طيبة أصلها في الأرض وفرعها في السماء، كتب الله لها النجاح والازدهار لأن الله يسوق الخير للعباد ويجريه على أيدي الصالحين، فامتلأت رفوف مكتباته بما هو مفيد من العلوم ولا سيما المعاجم التخصصية الكثيرة التي أدهشت العالم، وأعطت فروع مؤسسته في أهم العواصم العربية صورة مشرّفة لوطن الأرز.
كما تدين تدان، يا من حملت بجدارة وسام الاستحقاق اللبناني، وبُشراك أيّها الراحل الكبير بزادك من الإيمان، وبما أسلفت من عمل ينسجم مع ما جاءت به الشرائع والأديان، وسيتمّ احتسابه يقيناً في الطريق إلى
الفردوس.