تمرد ثالث عاشته سجون لبنان في أقل من عام واحد: رومية فالقبة فرومية مجدداً. عدد الجرحى كان مرتفعاً أمس، رغم أن التحرك لم يمتد لأكثر من ساعتين. هل هو الإنذار الأخير قبل البدء بتحسين أوضاع السجون، أم هي مقدمة لما هو أعنف؟
حسن عليق
خرج السجناء إلى الواجهة أمس مجدداً، من باب الاحتجاج على الأوضاع المأساوية التي يرزحون تحتها. عند السابعة مساءً، انتفض العشرات من نزلاء السجن المركزي في رومية على ضيق الهواء في زنازينهم، وأضرموا النار في أمتعتهم.
المحتجّون هم نزلاء نظارتين في «اللولب»، أو المبنى المتصل بثلاثة مبانٍ أخرى داخل السجن، الذي بُني عدد من غرفه في ستينيات القرن الماضي لتكون قاعات للمحاكمة تجنّب الموقوفين عناء النقل إلى بيروت والمناطق لنيل العدالة. لكن قاعات العدل تحوّلت مع الزمن إلى زنازين يسجن فيها موقوفون ومحكومون.
في اللولب 5 نظارات، يُحشَر في كل واحدة منها نحو 120 سجيناً من اللبنانيين والأجانب. وأول من خرجوا عن صمتهم أمس هم نزلاء النظارة الرقم 3، قبل أن يمتدّ «التمرد» إلى إحدى النظارات المجاورة. أحرَق المحتجون الإسفنج الذي ينامون عليه، وكانت مطالبهم كثيرة، تبدأ من تخفيف الاكتظاظ ولا تنتهي عند المطلب التاريخي: خفض العقوبات، بناءً على القانون (463 عام 2002) الذي ينظم تنفيذ العقوبات، مانحاً ذوي السيرة الحسنة من المحكومين خفضاً للعقوبة يمكنه أن يصل إلى ربع المدة.
لكن القانون الصادر عام 2002 بقي في الأدراج مع مراسيمه التطبيقية، إلى أن بدأت وزارتا الداخلية والعدل، بدعم من الأمم المتحدة، وضع أسس تطبيقية له، فيما وعد وزير العدل بانتداب قضاة قريباً ليصبح بالإمكان وضع القانون المذكور على سكة التنفيذ. المسؤولون يعدون دوماً ببدء التنفيذ، لكن السجناء لم يلمسوا بعد ما يخفّف بعض آلامهم وقلقهم. وكان للمنتفضين أمس سؤال رفعوا الصوت به: صدرت التشكيلات القضائية، فإلى متى سننتظر حتى يبدأ تنفيذ القانون؟
بعد خروج الدخان الأسود من خلف الجدران الشاهقة للسجن، وكالعادة، سارع المسؤولون إلى تجهيز قوة أمنية كبيرة ونقلها إلى ساحة «التمرد»، قبل الاستعانة بسيارات الإسعاف والإطفاء. إطفاء من نوع آخر سعى إليه قائد الدرك العميد أنطوان شكور الذي انتقل لمفاوضة من هم في «الضيافة» القسرية للمديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، ومن خلفها وزارة الداخلية، علماً بأن هذه «الاستضافة» مؤقتة منذ ما يزيد على 50 عاماً، لأن إدارة السجون هي من اختصاص وزارة العدل.
القوى الأمنية كانت «حازمة» أمس، ويفخر بعض مسؤوليها بأنها لم تتراخَ مع «المتمردين». قائد الدرك أبلغ المتحدثين باسم السجناء أن أمامهم حلّين: إما أن يسمحوا للقوى الأمنية بالدخول لإطفاء الحريق وإسعاف الجرحى، مع التعهد بعدم استخدام العنف، وإما أن تدخل القوى الأمنية بالقوة. وبعد انقسام السجناء على أنفسهم بسبب خطورة الحروق التي أصابت بعضهم، دخل أفراد الأمن إلى النظارات ونقلوا 19 جريحاً، بعضهم في حال الخطر، إلى مستشفى ضهر الباشق المجاور، فوُضع حد «لأعمال الشغب». حدث ذلك بُعيد التاسعة من مساء أمس، وبدأت القوى الأمنية تحقيقاتها في أسباب التمرد وتحديد القائمين به. وابتداءً من اليوم، من المتوقع أن تعود قضية السجناء إلى عتمة شبيهة بظلام زنازينهم بانتظار انتفاضة جديدة في سجن بُني ليتسع لـ 1050 سجيناً في حدّ أقصى، فيما عدد المحشورين فيه يزيد أحياناً على 4000. فما يجري خلف القضبان لا يبدو أنه على جدول أولويات أهل الحكم، إلا من باب التسول من الدول المانحة والمنظمات الدولية.