وليد الشعّارقد تتشابه الحياة في صورها الحسية من حيث الكم والكيف بين رجل وآخر. ولكن سبر أعماق الرؤيا وسعة البصيرة وفراسة الحلم وخشوع الجسد يعطينا فكرةً واضحةً لفوارق جلية وميزات بيّنة دمغت قامة المعلم الشهيد كمال جنبلاط وشخصه وعقله.
أذكره اليوم كما في كل يوم، كأنها الشمس قد تراءت على جبين الجبال الشامخة. تلك الجبال المرصعة بالتقوى الحاملة لأطفال الله (حسب تعبير غاندي)، هؤلاء القوم المنبوذين لكثرة ما قاوموا وضحوا وتهاونوا. هؤلاء الذين أحبهم كمال جنبلاط وعاش واستشهد لأجلهم.
تعمد الرجل في مياه الحب الأزلي

حتى انقشع ضباب الجهل عن بصيرته، تدلى خاشعاً لرهبة الرب تحت أقواس السكون الفعلي بين سور الصين وسهول الهند حيث يرقد معلمه، فتفتحت دروب الحياة أمامه، وخرج من «نطاقه السحري المسحور» لا ليعلمنا ما نحن له جاهلون، بل ليقول كلمته ويمشي، عالماً بأنّ أصحاب القلوب الواعدة والعقول الراجحة سوف يسمعون النداء. أما أولئك الذين «جعلوا أصابعهم في آذانهم» فلا رجاء منهم ولو بعد حين.
يا معلمي، هل تذكر ديوجين سائراً في النهار حاملاً مصباحه باحثاً عن الحقيقة؟ أم تذكر يوم قلت «من لم يكن في ذاته نور يضيء به معالم الطريق فكيف له أن يقود غيره من الناس؟». هل هذا النور متأتٍّ من ذلك المصباح؟ أم أنها شعشعانية البصيرة تلك التي التفت حول هالتك وتآلفت مع الروح كجوهر مجرد والجوهر المجرد غير قابل للانحلال أو للفناء (أفلاطون) وما بالك من الموت، وأنت قلت إنك غير مبال به، فكيف إذا كان انتقالاً بالروح إلى لون جديد من الحياة (سقراط).
أذكرك يا معلمي اليوم أكثر من أي وقت مضى، لا لشيء بل لأن وحش المادة والمال قد أكل كل شيء، وأصبحت المادة الجامدة التي حذّرت منها محجة وقبلة لمعظم الساسة والقادة والمسؤولين، وانقلبت مقاييس الاختيار ومعاييره، فجالس الأخيار كتبهم في مغرٍ بعيدة، وأتانا المزيفون الطفيليون إلى مواقع القرار في الأحزاب والإدارات والحكومات.
وفي الختام أقول لك، لقد أتيت باكراً ورحلت باكراً، لكن براعم الأمل ما زالت مزروعة في أحشائنا كما تراثك الفكري يقضّ مضجع عقولنا، و«فرح» ما برح يغرد بقربي كل صباح مع شعر هوميروس فأحس بفراشي كأني في مقر السلام (مدرسة أسسها طاغور) بل في خلوة شاهقة بين الغمام.