محمد محسنقد يعدّ توافق سائقي السيارات العمومية مع سائقي الفانات، لجهة رفض العمل بقرار وزارة النقل والأشغال العامة بشأن خفض التعرفة، سابقةً إيجابية يشهدها قطاع النقل في لبنان، في ظل عداوة الكار المستحكمة بينهما. المهم أن سيارات التاكسي والفانات ما زالت على التعرفة القديمة، أي ألفي ليرة للأولى وألف للثانية.
يستغرب أي سائق فان خفض التسعيرة من 1000 ليرة إلى 750 ليرة. عندما تقصّدنا طلب بقية الألف ليرة من أحد السائقين، ابتسم وأعاد لنا الألف، فتوقّعنا طلباً بمغادرة الفان، لكن السائق الثلاثيني، ابتسم ساخراً وقال إنّه سيكمل بنا الطريق إلى الحمرا على نفقته «ومش بيناتنا الـ 250 يا خيي». هكذا، وبالرغم من رفضه للتعرفة القانونية، يغيّر السائق العامل على الخط رقم 4 الصورة النمطية السائدة عن «سوء خلق سائقي الفانات». يبرر رفضه للتسعيرة الجديدة على أساس أن «الـ 250 ما بتعمل شي للراكب، بس بتجمّع معنا». يخفض صوت الأغاني البدويّة، ويقوم بمعادلةٍ حسابية سريعة: يقلّ أبو علي كما يسمّي نفسه، حوالى 150 راكباً، مشيراً إلى أنّ خسارته اليومية ستكون حوالى 38000 ليرة، وهذا بالنسبة إليه «خط أحمر». فهذا المبلغ يشكل جزءاً مهمّاً من غلّته اليومية، أي من الاثنين إلى الجمعة، لأن أيام السبت والأحد «الحركة ميتة». ثم يسأل «بيقبل الوزير ينقّصولو ربع معاشو؟ بيعملوا حرب أهلية عشان مصرياتن». طبعاً، لم يفت أبو علي أن يعرّج على لازمة السائقين عن ارتفاع سعر البنزين، وخصوصاً «أننا نعمل على الخط 4 وهون كلّو قانوني، ما فينا نمشي عالمازوت». لكن أبو علي أغفل شيئاً مستجدّاً منذ فترة، وهو أن سعر صفيحة المازوت تجاوز سعر صفيحة البنزين. هكذا، ينطلق حسين دهيني من هذه النقطة، رافضاً خفض تسعيرة الفان «في ظل ارتفاع أقساط المدارس وأسعار المواد الغذائية». تبقى هذه المستحقات «محمولة» كما يقول دهيني، ولكن بالنسبة إلى سائق يملك الفان وليس بالنسبة «إلى واحد متلي مستأجرو بـ 30 ألف ليرة بالنهار». من دون أدنى شك، يعبّر دهيني عن فئة واسعة من سائقي الفانات، مهما اختلفت الخطوط التي يعملون عليها. يرمي دهيني كرة التعرفة في ملعبين هذه المرّة، الأوّل هو «الحكومة التي تلعب بالأسعار من دون النظر إلى أوضاعنا»، أما الثانية ففي ملعب «أصحاب الفانات الذين لم يخفضوا أجرة الفان في اليوم، وخصوصاً في الفترة التي هبط فيها سعر البنزين بشكل ملحوظ». أمام كل هذا، لا يبدو الركاب في حيرة من أمرهم هذه المرّة، إذ إن الـ 250 ليرة لن تؤثر في جيبهم المثقوبة أصلاً، وخصوصاً في ظل غياب النقل العام الرسمي، الذي يحتاج في صيغته الحالية إلى كثير من الإصلاحات.