لبّى عدد من القانونيين دعوة منظمة «عدل بلا حدود» أمس، للحوار حول انضمام لبنان إلى المحكمة الجنائية الدولية. لم يختلف اللبنانيون على أهمية الانضمام إليها كثيراً، لكن معظمهم طالب المجتمع الدولي ببعض التوضيحات
أحمد محسن
قد يرتبط اسم المحكمة الجنائية الدولية بالمحكمة الدولية الخاصة بلبنان، وذلك لما للاسمين من تشابه، وبسبب الطابع الدولي الذي كثر الحديث عنه أخيراً، ولا سيما أن عمل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان يندرج في إطار محاسبة مرتكبي جريمة صنفتها الدولية اللبنانية ومجلس الأمن الدولي في إطار الأعمال الإرهابية. وبما أن لبنان ليس بين الدول المئة والتسع والعشرين التي وقعت على نظام روما (17 تموز 1998، والذي أنشئت المحكمة الجنائية الدولية بموجبه)، فإن جريمة اغتيال الرئيس الحريري لم تدخل ضمن صلاحيات المحكمة المذكورة. والجدير بالذكر، أن المحكمة الجنائية الدولية مستقلة عن الأمم المتحدة تماماً، كما أن نظام تمويلها يرتكز على ما تدفعه جمعية الدول المنضمّة إلى اتفاقية إنشائها. ويقع مركز هذه المحكمة في لاهاي ـــــ هولندا، (ولكن تبعاً للمادة 3 من نظام روما يمكنها أن تعقد جلساتها في أي مكان آخر عندما ترى ذلك مناسباً)، كما أنها المحكمة الأولى التي تحاكم مواطني دول من أعضائها، أو يسكنون على أراضي الدول المنتسبة إليها، بتهم جرائم الإبادة الجماعية، وجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب.
بدأت جلسة الحوار في الحمرا أمس، بكلمة لرئيسة منظمة «عدل بلا حدود» المحامية بريجيت تشلبيان، تلتها رسالة الى رئيس الجمهورية ميشال سليمان ألقاها ويليام بيس، مدير تحالف المحكمة الجنائية الدولية، دعا الرئيس فيها إلى الإسراع في الانضمام الى المحكمة، قبل أن يحصل نقاش بين الحاضرين في طبيعة المحكمة وآليات عملها. وكان القاضي رالف رياشي، في مداخلة سابقة قدمها لمنظمة «عدل بلا حدود»، قد قارب الجوانب المتعلقة بالموضوع من ناحية قانونية صرفة؛ اذ نبه الى وجود اختلافات بين نظام روما والنظام القضائي اللبناني. ومثالاً على ذلك، لفت القاضي الى أن المادة 29 من نظام روما تقر عدم سقوط الجرائم الداخلة في اختصاص المحكمة بمرور الزمن، وتجيز المادة 20 إمكان المحاكمة في الجرم ذاته مرتين، وذلك عندما ترفض المحكمة الجنائية أحكام القضاء المحلي. وتوسع رياشي في توضيح بعض الأمور، مذكّراً بمسائل أساسية من ناحية العقوبات في القانون، كعقوبة الإعدام وعقوبة السجن لأكثر من ثلاثين عاماً اللتين لا تطبقهما المحكمة الدولية، بينما تطبقان في لبنان. ومن جهة أخرى، تحدث رياشي عن إمكان تعديل القوانين الوطنية كي يتسنى لها الانسجام مع العدالة الدولية، تجنباً للوقوع في أي التباس محتمل.
وفي متابعة قانونية للموضوع، اتصلت الـ«الأخبار» بالرئيس السابق لمجلس النواب حسين الحسيني، الذي استغرب أي حديث عن انضمام لبنان الى المحكمة الجنائية الدولية، في ضوء عدم توقيع اسرائيل والولايات المتحدة الأميركية عليها. لكن الحسيني أوضح أن للبنان مصلحة بديهية في المشاركة، لكونه في موقع المُعتدى عليه، كما أنه نبه الى ضرورة بحث مسائل أكثر أولوية مع المجتمع الدولي، أبرزها تعريف الإرهاب وتوصيف الجريمة. وفي هذا السياق، عرض الحسيني المذكرة التي رفعها حين كان رئيساً لمجلس النواب اللبناني الى الفاتيكان عام 1985، والتي عرّف فيها الإرهاب بمفهوم القانون الدولي على أنه: «استخدام القوة غير المشروعة كارتكاب المجازر بحق المدنيين والمنشآت». بدوره، رأى النائب خالد قباني أنه لا يجد ضرراً في الانضمام الى المحكمة المذكورة، منبّهاً إلى أن المحكمة الدولية الخاصة هي محكمة مؤقتة، فيما تعمل الجنائية باستمرار.
بدوره، أشار رئيس الدائرة القانونية في حزب «القوات اللبنانية» المحامي سليمان لبس، الى أن حزبه «يفضل تعزيز المؤسسات اللبنانية والقضاء الوطني»، بيد أنه لن يعارض الدخول الى مجموعة الموقّعين على نظام روما في حال حصول إجماع لبناني على الموضوع. ولم يختلف رأي حزب الله كثيراً عن رأي القوات، من ناحية إيلاء القضاء اللبناني الأولوية، إلا أن النائب نوار الساحلي لفت إلى أن الحزب يتهم الولايات المتحدة بتسييس عمل المحاكم الدولية والهيمنة عليها، وخاصةً بعد حادثة السودان الأخيرة. وأوضح الساحلي أن رفض الانضمام الى المحكمة الجنائية الدولية ليس حاسماً، وتالياً فإنه خاضع للنقاش والدراسة القانونية. وختم النائب حديثه ممازحاً: «في حالة استقلال محكمة كهذه، فإن أميركا ستكون أشد المتضررين».


القضاء الوطني أوّلاً

وفقاً لما أوردته مذكرة منظمة «عدل بلا حدود» أمس، في إطار الإجابة عن أسئلة متعلقة بالمحكمة الجنائية الدولية، فإن الأخيرة تحظى بمبدأ التكامل مع القضاء المحلي، ما يجعلها مختلفة عن المحاكم الدولية الخاصة، بما أن تلك المحاكم تتمتع بالأسبقية على القضاء المحلي. والمقصود بالتكامل أن المحكمة الجنائية الدولية تتدخل عندما يكون القضاء المحلي «غير راغب» أو «غير قادر» على تحقيق العدالة. ويدخل في هذين الإطارين تأخر القضاء المحلي في تقديم الأشخاص المعنيين بالجريمة إلى العدالة، أو عدم تمكنه من توقيف المطلوبين أو جمع الأدلة.