هل من المقدر لعالم الكمبيوتر أن يظل حبيس بورصات الشركات الكبرى المصنعة والمسوقة للبرامج، المتهمة في أماكن كثيرة بالاحتكار والواقعة أمام تهم أخلاقية أخرى تتعلق بحرية المستهلك وقدرته الشرائية؟ المستخدم واقع حالياً بين خيارين، إما شراء النسخة الأصلية لبرنامج تطبيقي معين، أو أن يلجأ إلى النسخ المقرصنة
خضر سلامة
في عالم التكنولوجيا، نحن نعيش تحت سطوة البرمجيات الاحتكارية التجارية، وفي المقابل تتصاعد شيئاً فشيئاً موجة البرمجيات الحرة التي أطلقها ريشارد ستالمان عبر مؤسسة التطبيقات المعلوماتية الحرة، ستولمان، يحدد البرنامج الحر ذا المصدر المفتوح، بأنه المصدر الذي يوفر للمستخدم الحريات الآتية: حرية استغلال البرنامج في أي هدف يريده، وحرية التعديل وتغيير الكودات وتطوير البرمجية، وحرية النسخ، وحرية نشر النسخ المعدلة وتسويقها.
وهنا، يجب أن نميز بين البرامج الحرة، أو البرامج ذات المصدر المفتوح، أي تلك التي يستطيع المستخدم الوصول إلى شيفرتها لتعديلها، وبين البرامج المجانية، فبينما لا تعتبر الأولى مجانية بالضرورة، ويمكن لأي كان أن يسوّق نسخته المعدلة ويبيعها أو يستغلها لمآربه الخاصة، فإن البرامج المجانية، هي برامج يُمنع استثمارها لأغراض تجارية، ولا تؤمن بالضرورة شيفراتها أو إمكان تعديلها لحاجات شخصية.
البروفسور الفرنسي في مادة المعلوماتية، كريستوف كريسبرغر، الذي يعمل في حلقة من المتخصصين ضمن إطار تطوير بعض البرامج ذات المصادر المفتوحة، تحدث إلى «الأخبار» عن خبرته في هذا المجال، معدداً ما يميز هذه البرامج عن البرامج الاحتكارية، وقال: «أولاً، إن البرامج الحرة تشترط ألا تتحدد إجازة استخدامها على مجموعة من الأشخاص أو المؤسسات دون غيرهم، بالإضافة إلى الحريات الأربع المعروفة (المذكورة في بداية هذا المقال)، وثانياً، فإن من أهم ميزات هذه البرامج، تطورها الدائم واليومي بشكل لا يمكن أن يكون لأي برنامج حر نسخة نهائية، بما أن البرامج المفتوحة المصدر، هي برامج يتناقلها الخبراء الأحرار خارج إطار المؤسسات التجارية، وخارج عقود عملهم وشروط مهماتهم، ويصبحون بالتالي أحراراً في تطويرها وتأمين الكماليات المهمة» يتوقف كريسبرغر عند هذه النقطة للحديث عن «مجموعات» العمل، «حيث تستلم مجموعة، أو أفراد، برنامجاً حراً، ليعملوا على تطويره وتعديله، وإصدار نسخة حرة وجديدة منه، ثم يدفعونها بين أيدي المستهلكين، هؤلاء المبرمجون، الخبراء، يقومون بذلك إما بسبب اقتناعهم بضرورة تحرير الكمبيوتر من المحتكرين، وإما بهدف استثمار مواهبهم المكبوتة في إطار ما تفرضه سياسات التسويق والميزانيات التي تخصصها الشركات. ويعمل هؤلاء الخبراء من أجل إحداث نقلة نوعية في جودة البرامج الحرة، وهناك أيضاً الهواة والطلبة الذين يودون اكتساب خبرة عبر الانضمام لمجموعات عمل، ومن هنا، نجد الكثير من البرامج «البديلة» عن تلك الاحتكارية، أكثر سهولةً وانتشاراً».
«في مقابل ويندوز مايكروسوفت الذي تُباع نسخة منه لمستخدم بسعر يتجاوز الـ100 دولار، والجامد معلوماتياً، إذ يُمنع تعديل كوداته، نجد نظم تشغيل بديلة كـ جنو/لينكس، أو Reactos، وفي مقابل ميكروسوفت أوفيس، نجد الـ أوبن أوفيس، والفايرفوكس مقابل الاكسبلورر، كما يستطيع الباحث المهتم إيجاد انتي فيروسات (مضاد للفيروسات)، ومكافحات تجسس، ولغات برمجية حرة، وذلك بمصادر مفتوحة، مطوّرة من مجموعات مهتمة وخبيرة تتصرف عن إرادة وتضامن وتعاون، وأحياناً كثيرة، قد تكون مجموعات مدعومة من شركات كبيرة كـ IBM وإنتل مثلاً»، وهنا يوضح كريسبرغر أن هذه الشركات الكبرى «قد تدعم مجموعات حرة بسبب تشابك مصالحها المالية والاستثمارية المعلوماتية، وأيضاً بهدف تقديم خدمات دعائية، كما ترعى مؤسسات حكومية عمل هذه المجموعات، لا سيما الضخمة منها، كالحكومات الفرنسية والبلجيكية والألمانية، وبعض المؤسسات الأمنية الأميركية، لأغراض تنموية داخلية وأمنية في ما يخص شبكاتها الداخلية وخبرات موظفيها».



وماذا عن جودة منتجات هذه المجموعات، يرى كريسبرغر أنه «لولا الدعاية القوية للماكنات الاحتكارية والتجارية، فإن إصداراتها لا تستحق الشهرة والانتشار المؤمنين لبضائعها، فلينوكس مثلاً، الذي عمل على تطويره حتى الآن أكثر من ثلاثين ألف مبرمج وخبير حول العالم بتشابك خبراتهم، يحوي أخطاءً برمجية أقل بـ90 في المئة من الأخطاء الموجودة في نظام كفيستا مثلاً! إلا أن إدخال معظم مصنعي الكمبيوترات منتجات ميكروسوفت، والاعتياد الاستهلاكي على نظم تشغيلها، جعلها تتربع على عرش المحتكرين في صناعة البرمجيات، فيما لا يثق المستخدمون الخبراء في منتجاتها».
ويختم كريسبرغر حديثه بالمراهنة على الأهم في رسالة البرامج الحرة والبرامج ذات المصادر المفتوحة وهي «ردم الهوة الاجتماعية بين مستخدمي الإنترنت (أي الهوة الرقمية) في العالم، ويسعد أي مبرمج يعمل في حلقات تطوير هذه البرامج الاستماع إلى تذمر المحتكرين من الثقافة «الاشتراكية» لهذه البرامج، عندما تؤمن بأقل كلفة ممكنة، نسخة قانونية وشرعية من برنامج ما، يمكن للجميع الاستفادة منه!».