روني عبد النورفي الوقت الذي لم تتمكن فيه تكنولوجيا العوالم الافتراضية حتى الآن من تخطّي عتبة حاستي النظر والسمع، يأتي جهاز Virtual Cocoon ليعلن وصول الجيل الافتراضي الجديد الذي يتناول الحواس الخمس بواقعية غير مسبوقة. يطوّر فريق من العلماء من جامعتي يورك ووارويك البريطانيتين، بالتعاون مع عدد من الجامعات البريطانية الأخرى، مشروع «نحو الواقع الافتراضي الحقيقي»، وهو يرمي إلى تزويد المستخدمين بتجربة تشمل جميع الحواس وإمكان التفاعل التام في ما بينها، وذلك من أجل تحقيق تجربة إدراكية يستحيل خلالها رسم الحد الفاصل بين الواقع والخيال. الخطوة تُعدّ تغييرية لا بل ثورية في مجال العوالم الافتراضية والتفاعل الحسي مع الحواسيب، كما يُتوقّع أن تجد لها تطبيقات في مجالات الترفيه والتعليم والتدريب. هذا المشروع أُعلن عنه قبل شهور، وأخيراً عرض المشتغلون فيه باكورة أعمال المشروع، جهاز Virtual Cocoon أو الشرنقة الافتراضية، في حدث نظّمه مجلس أبحاث العلوم الفيزيائية والهندسية البريطاني أخيراً ضمن فعاليات معرض Pioneers 09 العلمي في مركز أوليمبيا للمؤتمرات في لندن.
الجهاز الجديد لن يكتفي بمحاكاة مجسّمات الصور الثلاثية الأبعاد فحسب، بل سيشمل وظائف السمع والشم والتذوق والإحساس. فهو يتمتع بالقدرة على إعطاء التجربة الافتراضية طابعاً واقعياً للغاية، نظراً إلى أهمية حاسة الشم التي ترتبط ارتباطاً شديداً بالدماغ وتتّسم بفعالية فائقة، إذ إن التعرّف على مجرّد رائحة خفيفة كفيل بإطلاق العنان لوادي الذكريات السحيق.
الجهاز خفيف الوزن وسهل الاستعمال بفضل الأجهزة الإلكترونية والحاسوبية المتطوّرة المعتمدة، ويتألف من سماعتي رأس مطوّرتين، وهو مزوّد بنظام عرض بالفيديو عالي الجودة ينتج صوراً يتراوح تركيز الضوء فيها بين عشرة أضعاف أقل وثلاثين ضعفاً أكثر مما تستطيع تكنولوجيا العرض التقليدية الحالية تحقيقه، الأمر الذي يجعل الصور المنتجة أقرب إلى الواقع بما لا يقاس. كما يحتوي على أنبوب، شبيه بأنابيب الأوكسيجين الموجودة في المستشفيات، يمر تحت أنف المستخدم كي يزوّده بنسمات كيميائية تقلّد الروائح المختلفة وتُولّد إلكترونياً بواسطة تقنية لتوفير الرائحة بحسب الخصائص التي يحددها المستخدم، إلى جانب أداة توضع داخل الفم لتأمين الشعور بالمذاق الذي يكمل واقعية التجربة. هذا ويمكن السيطرة على درجتي الحرارة والرطوبة داخل الخوذة من خلال نظام إحماء وتبريد، ناهيك عن أنظمة اللمس التي من شأنها تزويد أنحاء الجسد الأخرى بأحاسيس اللمس المرافقة للتجربة. من ناحية أخرى، يعتمد الجهاز على مجموعة من الكاميرات المتعقبة للحركة، بدل عصا القيادة، تتجوّل داخل الأطر المختلفة بغية مراقبة حركة الذراعين، الرجلين والوجه، فيما يتحرّى برنامج شديد الحساسية تفاصيل حركة المستخدم، سواء كانت مشياً أو جرياً أو قفزاً.
ويعتقد الباحثون بإمكان أن يوفّر Virtual Cocoon المساعدة في مجال التعليم، وقد يُسهل الأعمال عن بعد، وقد تصل فوائد الكوكون إلى التطبيقات الطبية، إضافة إلى المساعدة على التسوّق عبر الشبكة من خلال مواقع توفّر بيئات ثلاثية الأبعاد.
وقد أعلن الخبراء خلال العرض اللندني أن هذه التكنولوجيا الحديثة العهد هي جزء من نزعة تختلف عن التقنيات التقليدية السابقة، وتؤمّن سبلاً أكثر حدسية وتفاعلية. والواقع أن هذه النزعة بدأت بالتجلّي فعلاً من خلال جيل Wii، شديد الحساسية تجاه الحركة، من نينتندو وجيل iPhone، شديد الحساسية تجاه اللمس. ويأمل الفريق أن يُنجز النموذج الأولي من الجهاز بحلول شهر تشرين الأول المقبل، وأن يصبح جاهزاً للتسويق التجاري بحلول عام 2014، وقد يبلغ سعر الجهاز الواحد أكثر من ثلاثة آلاف دولار.