بناءً على «كتاب معلومات» قدّمه أحد الأجهزة الأمنية، أوقِف مواطنان سوريان بتهمة المشاركة في أعمال شغب واقتناء أسلحة حربية بعد أحداث السابع من أيّار الشهيرة. بقي مهند وقاسم (اللذان يعملان في لبنان منذ ثلاث سنوات) موقوفَين لمدة شهرين على ذمة التحقيق في كتاب المعلومات ولدراسة المعطيات الأخرى، التي تتعلق بدراسة الحركة الجغرافية للهاتف الخلوي الذي يخص أحدهما، قبل أن يصدر حكم بتبرئتهما
أحمد محسن
كان ذلك في منطقة الحمرا، في شهر أيّار من العام الفائت. واظب المواطنان السوريان مهّند م. وقاسم م. على إدارة أحد المقاهي في المنطقة إدارةً طبيعية، من دون أي مشاكل تذكر. أتت أحداث السابع من أيّار، حاملةً معها المفاجآت المثيرة إلى الشقيقين. أوقفهما فرع المعلومات في بيروت، بناءً على كتاب معلومات، يفيد أن شقيقهما مصطفى الذي يعمل في المقهى المذكور (الذي كان يديره قاسم ومهند في أيّار)، شُوهد خلال الأحداث الأمنية التي هزت العاصمة في الشهر نفسه، ينزع قناعاً عن وجهه، وممسكاً بسلاح حربي مع متمّماته.
تبيّن بعد التحقيقات الأولية مع مصطفى أنه كان في سوريا أثناء أحداث السابع من أيّار، وفقاً لما أكدته المستندات الصادرة عن المديرية العامة للأمن العام، التي تفيد أنه كان قد غادر الأراضي اللبنانية عن طريق معبر المصنع الحدودي، يوم 28 نيسان 2008. وخلال هذه التحقيقات، أكد مصطفى أن شقيقيه هما اللذان تولّيا إدارة المقهى بعد مغادرته. عندها، استُدعي الشقيقان إلى التحقيق بعد مراجعة النيابة العسكرية. ونفى الأخيران في سياق التحقيقات الأولية والاستنطاقية، ثم أمام المحكمة لاحقاً، أي مشاركة لهما في أحداث أيّار، التي بدأت عملياً في السابع منه. بالنسبة إلى مهند، أفاد الأخير أنه بقي داخل منزل شقيقه في منطقة الصنائع في الثامن من أيّار، ولم يغادره طيلة أيام ثلاثة. أما قاسم، فقال إنه كان داخل المقهى الصغير ابتداءً من 7 أيار 2008، حتى الواحدة والنصف فجر الثامن منه، ثم إنه عاد ليفتح المقهى في السابعة والنصف صباحاً، ويمكث فيه 24 ساعة.
وفي سياق مواز، استمع قاضي التحقيق في بيروت إلى إفادة الشاهد زياد غ. مالك الإكسبرس الذي يستثمره المشتبه فيهما، فأعلن الأخير أنه يعمل معهما منذ 3 سنوات، نافياً مبادرتهما طوال تلك المدة إلى القيام بأيّ من الأعمال التي تدلّ على انتماء سياسي، أو عمل غير مشروع. وفي ما يخص الحادثة التي اتُّهِم العاملان بها، أشار زياد إلى أنه وقاسم، أقفلا محلّيهما المتجاورين في الواحدة فجراً، كما أن قاسم فتح مقهاه في اليوم التالي عند العاشرة صباحاً. في تلك الفترة، كانت الأمور تعود إلى طبيعتها، بعد تراجع حدة الخضات الأمنية. ونفى الشاهد أن يكون قد رأى بندقية حربية مع أيّ من الشقيقين أو أحد من عائلتهما، في شهر أيّار. وللتوسع في التحقيق، جرت متابعة الحركة الجغرافية للاتصالات الهاتفية لرقم الهاتف الخاص بقاسم م. فتبين أن مجموع الاتصالات الصادرة منه والواردة إليه هو 87 اتصالاً خلال يومي 8 و9 أيار، وقد جرى تحويل 75 منها بواسطة نقطة إرسال واحدة، فيما توزعت المكالمات الأخرى على نقاط قريبة من مناطق قريطم والكونكورد.
وبناءً على قرار ظني صادر يوم 3 كانون الأول 2008 عن قاضي التحقيق في بيروت فادي العنيسي، اتُّهِم الشقيقان بمخالفة المادة 346 التي تمنع التجمع ضد قرارات السلطات العامة وحمل السلاح، و348 التي تنص على الحبس من شهرين إلى سنتين إذا لم يتفرّق المجتمعون بغير القوة، والمادة 733 التي تطلب تغريم وحبس المخربين في أملاك الآخرين، إضافة إلى المادة 72 التي تنص على منع حمل الأسلحة. وحتى يصار إلى إدانة المتهمين بمقتضى تلك المواد، كان يجب توافر الدليل الحاسم، خلال المحاكمة، على مشاركتهما في تجمعات أيّار، وعلى أنهما كان يحملان أسلحة حربية.
لكن القاضي المنفرد الجزائي في بيروت، الرئيس هاني حلمي الحجار، خلص إلى عدة معطيات، أبرزها أن التحقيق في هذه الدعوى انطلق في الأساس بناءً على كتاب معلومات عن شقيق الأخوين، مصطفى، الذي تبيّن أنه كان في سوربا خلال أحداث أيار. أكثر من ذلك، فإن الكتاب بقي خالياً من أي دليل جازم على صحة المعلومات التي تضمّنها، فضلاً عن أنه «لا يمكن الاستناد إليه بغية اعتماده دليلاً وحيداً كافياً لإدانة» المتهمين. إضافةً إلى ذلك، فإن القاضي درس دراسة وافية الحركة الجغرافية لرقم هاتف قاسم م. التي قدّمتها شركة الخلوي. ونتيجة هذه الدراسة، اتّضح للقاضي أنه حتى في حال الافتراض أن الاتصالات المذكورة، يمكن أن تدلّل على أن قاسم م. تنقّل بين 8 و9 أيّار، فإن ذلك لا يعني بالضرورة مشاركته في أحداث الشغب. التنقّل ليس شغباً دائماً، لا بل إنه أمر غير ثابت في الأصل (تنقّله من مكان إلى مكان خلال يومي الحوادث). تالياً، راجع القاضي الأرقام تفصيلياً، فمن أصل 87 اتصالاً أجراها المدعى عليه وتلقّاها، حوّل 75 منها عبر محطة إرسال واحدة، مما يشير إلى أنه كان معظم الوقت موجوداً في مكان واحد، مما وفّر للمحكمة قناعة بصحة إفادته أمامها، أي لجهة بقائه أمام المقهى الذي يستثمره.
وعلى هذا الأساس، حكم القاضي المنفرد الجزائي في بيروت ببراءة المدعى عليهما قاسم م. (33 عاماً) ومهند م. (23 عاماً) من جرم مخالفة أي من المواد المذكورة أعلاه، وذلك لانتفاء الدليل. صدر الحكم وجاهياً وأفهم علناً في بيروت.
الحكم الذي استأنفته النيابة العامة يخفي خلفه أموراً أعمق. فالشقيقان، بعد تبرئتهما، باتا مقتنعين بأن ملاحقتهما جرت لأسباب عنصرية، وهما يقولان إن شقيقهما عُرِض على طبيب شرعي بعد إخلاء سبيله، فأكد في تقريره أن الأخير بقي له 10% من سمعه. وإذا جاز غض النظر عن ذلك، فإن أسئلة جدية تطرح نفسها عن الجدوى القانونية من توقيف مشتبه فيهما لمدة شهرين، استناداً إلى «كتاب معلومات». وفي حالة كهذه، أثبتت المحكمة عدم صوابية المعلومات التي تضمّنها، فهل يُحاسب الذين سبّبوا الأذى المعنوي والجسدي للمتهمين بسبب «المعلومات الخاطئة»؟