مجموعة أصدقاء سمعت في برنامج معلومات فرنسي سؤالاً عن «طبق إسرائيلي يُصنع من الحمّص والفول»! ثم جاء الجواب «المفجع»: الفلافل. احتجّت المجموعة ببعث رسائل إلى البرنامج الذي تجاوب، «فعلاً! كلمة فلافل عربية، وربما كان يجب القول إن الطبق شرق أوسطي». لذلك وعد البرنامج بتصحيح مباشر على الهواء في حلقته الأخيرة أول من أمس، فدعت المجموعة الإعلاميين للاستماع معهم للتصحيح حول مائدة عامرة بالفلافل
ضحى شمس
يدسّ «كلوب 43» نفسه بين حانات الجميزة، فيبدو للوهلة الأولى «منها وفيها» لولا أنك تكتشف، ما إن تصل إلى الباب، أنه ينتحل صفة الحانة. تصوّب جملة «نادٍ خيري لا يبغي الربح» المكتوبة على الباب رؤيتك للمكان، وتجعل من اختياره من مجموعة «الفلافل والهندسة»، كما سمّينا الشابات والشبان الذين يخوضون معركة الفلافل ضد إسرائيل على أرض إعلامية فرنسية، صائباً جداً.
وعلى الموعد، الثامنة مساءً، كنا في «كلوب 43». تسألك لدى دخولك جويس حنا، التي تعمل مع أربعة آخرين متطوعةً هنا إن كنت مع مجموعة الفلافل. فقد حجز هؤلاء الصالون الداخلي للنادي الذي فيه جهاز تلفزيون. هناك، تجد كارن باسيل، جالسة تنتظر إلى جانب جوني خوند وناتالي شاهين وروزين سعد وأنطوان نديم. بهجة مجموعة الأصدقاء من «أيام الدراسة في الهندسة المعمارية»، بتجاوب الصحافة بعد تجاوب التلفزيون الفرنسي مع نشاطهم، لا يعادلها شيء. تبدأ باستفزازهم للنقاش فتقول لهم إن «النصر» الذي يدّعونه هو في الحقيقة مجرد تسوية سياسية لُغوية من التلفزيون الفرنسي، وإن النصر الحقيقي كان يجب أن يكون تأكيداً لـ«عروبة الفلافل» لا... شرق أوسطيتها، كما اقترح المصحح الفرنسي. توافق كارين وناتالي.
لكن نقاشاً ينشب: صحيح أن الفلافل لبنانية؟ أو عربية؟ فالأصل التركي أو الإيراني غير مستبعد، بل إن المصريين سيُجَنّ جنونهم إذا سمعوا بأن لبنان يحاول الاستئثار بالملكية الفكرية للفلافل. وتعلّق كارين: «مهما كان أصل الطبق، فالثابت أنه ليس إسرائيلياً». توافق ناتالي، وهي مهندسة معمارية مختصة بالترميم، وتخبر بحماسة كيف أنها في مؤتمر فرنسي عن التراث والهندسة المعمارية في فرنسا، كان هناك مشارك إسرائيلي عرض في مداخلته بيوتاً من الطراز المعماري لمنطقتنا باعتبارها من التراث... الإسرائيلي! تضيف: «لكن المندوب الفلسطيني لم يسكت له، فقال له: أنتم تصادرون تراثنا، لأن التراث هو الذي يحدد هوية الشعوب، وأنتم لا هوية لكم، لأن لا وجود حقيقياً لكم في المنطقة، أنتم محتلون وأغراب». يوافقها أنطوان: «هم أصلاً دولة مركّبة لا هوية لديها، لذلك، يسرقون تراثنا». ويحاول التذكّر: «شو بيقول هيداك المثل: إكذب إكذب إلا ما يعلق شي بذهن الناس».
تتحمس روزين (الوحيدة في المجموعة التي تعمل في مهنة غير الهندسة) فتقصّ كيف رافقت مجموعة سيدات أوروبيات إلى قانا في الجنوب، وكيف أنها سمعتهن يضحكن لدى شرحها أن قانا هي المذكورة في الإنجيل. وتقول: «وحياتك هالستات يضحكوا ويضحكوا! لم أسكت. سألتهن: على شو عم تضحكوا؟ فقلن: على ادعائكم أن قانا الإسرائيلية هي لبنانية»! وتستغرق الصبية في شرح أسباب كون قانا لبنانية، مستخدمة أجزاءً من الإنجيل والقياسات التي كانت تحسب المسافات في تلك الفترة (مسيرة يوم على الحصان)... إلخ. يتشعب الحديث. تتحدث كارين عن تجربة أخرى للمجموعة في مؤتمر عن حوار الأديان والسلام في اليابان إثر حرب تموز. تقول: «طلبت إلينا مداخلة، فقررنا أن نخبر فقط ما الذي حصل، وكيف تضامن الناس خلال الحرب. فوسائل الإعلام هي سلاح قوي، استخدمه الإسرائيليون لتصوير أنفسهم ضحيةً في حرب نحن فيها الضحية. هكذا، احتللنا الصفحة الأولى من صحف اليوم التالي». تضيف: «لذا، عندما تفاعل معنا التلفزيون الفرنسي اعتبرنا ذلك انتصاراً وتأكيداً في الوقت ذاته على صدقيتهم». وتقول: «ليس لدينا في لبنان ثقافة تدخل في الشأن العام. لذا، نريد تغيير الأمر، وهذه طريقتنا لمساعدة جمعية الصناعيين في معركة ملكيتنا للفلافل والتبولة».
مع اقتراب موعد بدء الحلقة، استمر توافد المدعوين حتى امتلات الغرفة بالأشخاص وقوفاً وجلوساً. «انشالله تكفّي 12دزينة فلافل... قديش صرنا؟»، يسأل جوني قلقاً. لكن كارين تطمئنه. تمتد الأيدي إلى أطباق الفلافل، وتنطلق همهمات التلذذ: «شو طيبين! قال إسرائيلية، قال»، تقول إحدى الضيفات. تلتفت كارين قائلة: «أظرف شي أن هناك مجموعة إسرائيلية كانت تناقش الأمر على الفايسبوك، وقالت: اللبنانيون يدّعون أن الفلافل لبنانية مع أن أشهر من يصنعها هو فلافل... صهيون»! يضحك الموجودون، فتقول لهم إن عائلة صهيون التي تنسب إلى جبل صهيون في فلسطين هي عائلة عربية كما اسم الجبل نفسه، وإن نسبة الصهاينة إلى جبل صهيون دينية سياسية... إلخ. يصيح أنطوان: «أنا بفضّل فلافل فريحة ما فيها مشاكل»! تضحك روزين: «إذاً، سأذهب إلى بوابة فاطمة وأرميهم بأقراص الفلافل». يجيبها أنطوان وقد حبكت النكتة معه: «ارميهم بالفلافل إلى ما بعد بعد حيفا».
«هسسسسس». يُسكت الجميع الجميع، فقد بدأ البرنامج. يسأل مقدّم البرنامج جوليان بيرس سؤاله الأول للمتسابقين: «من هي الممثلة ذات الأصل الألماني...»، يقاطعه أحد الظرفاء صائحاً: فلافل! يضحكون ثم يُسكت بعضهم بعضاً لسماع السؤال عندما يطرح. وبعد سحبة من الأسئلة، أصر الضيوف على الإجابة عنها بكلمة: فلافل مهما كانت، يسأل أخيراً بيرس: «ما هي الكلمة العربية التي تشير في الشرق الأوسط لطبق من مسحوق الحمص؟»، يجيب المتسابق: فلافل. فيقول له المذيع: «صح». تعلو صيحات الابتهاج والتصفيق. ثم تقف كارين وجوني ليشكرا الصحافة وليعلنا أنهم ألفوا مجموعة سوف تتابع «إذا شي غلط بيقطع بوسائل الإعلام»، وأنهم سيناضلون بالطريقة نفسها من الآن فصاعداً. فقد أصبحوا خبراء في مسألة من أين تؤكل كتف الإعلام، بفلافل ومن دون فلافل.