هل يمكن السيطرة على انتشار قرصنة الأقراص المدمجة؟ تصعب الإجابة في ضوء تحوّل الأمر إلى ظاهرة، تستمد وجودها من شبكة الإنترنت و«المافيات». تشتكي دور السينما من الواقع، فيما تحاول القوى الأمنية ملاحقة القراصنة
محمد نزّال
لم يعد ربيع مضطراً إلى الذهاب إلى السينما لمشاهدة الأفلام الجديدة، منذ راجت قرصنة الأفلام ونسخها على أقراص مدمّجة (DVD) في لبنان. شاهد في منزله أخيراً «الحالة الغريبة لبنيامين بوتون» و«سلامدوغ مليونير» مقابل ثلاثة آلاف ليرة للفيلم الواحد، وذلك قبل شهرين من موعد عرضهما في الصالات. لم يجد صعوبة في البحث عنهما، ويسخر حتى من السؤال عن ذلك: «المحالّ موجودة في كل المناطق»، يقول ضاحكاً. والضائقة المالية ليست وحدها ما يدفعه إلى شراء الأفلام المقرصنة، بل تسهم فضوليته في ذلك، «فالسينما تتأخر عن عرض الأفلام، والأقراص توفّر أفلاماً يمنعها الأمن العام أحيانا».
وفي هذا الإطار، أكد مسؤول في إحدى كبريات صالات العرض في بيروت، أن قطاع السينما في لبنان شهد تراجعاً في مردوده بنسبة 40 بالمئة. لم يفوّت المسؤول المذكور الأجهزة الأمنية والقضائية من لومه، ففي رأيه أن الأجهزة المختصة متقاعسة عن القيام بدورها في قمع هذه المخالفات، وهذا ما يمثّل في رأيه أحد أهم أسباب تفشي ظاهرة القرصنة، «علماً أنها حالة غير جديدة وآخذة في التزايد» يردف المسؤول الذي يرى في الأمر انعكاساً لمخلّفات الفوضى العامة في لبنان، التي تشمل مختلف القطاعات الإنتاجية.
وفي الحديث عن الجانب الأمني والقضائي، تجدر الإشارة إلى أن لبنان هو ضمن البلدان التي وقّعت معاهدتَي برن (1886) وروما (1961) المتعلقتين بحماية الملكية. وهو بذلك يحمي الأعمال البصرية والسمعية والموسيقية، إضافةً إلى برامج الحاسوب الآلي وغيرها من أشكال الملكية الفكرية. وبحسب القوانين اللبنانية، فإن المادة 86 من «قانون حماية الملكية الأدبية والفنية» الصادر بتاريخ 3/4/1999 تقول «يعاقب بالسجن من شهر إلى ثلاث سنوات وبغرامة نقدية من خمسة ملايين إلى خمسين مليون ليرة لبنانية، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من أقدم عن معرفة وبغاية الربح على الاعتداء أو محاولة الاعتداء على أي حق من حقوق المؤلف، وتضاعف العقوبة في حال التكرار». كما يجوز للمحكمة المختصة أن تأمر بإغلاق المكان أو المؤسسة التجارية التي ترتكب هذه المخالفة. وانطلاقاً من هذه النقطة، يعيب رئيس مجلس الإدارة إحدى دور السينما في بيروت على المعنيين ما عدّه «تقصيراً فاضحاً»، وخاصةً «بعدما أصبحت الأعمال المقرصنة تباع علناً، في محالّ مختصة وعلى البسطات المنتشرة على قوارع الطرقات». وعند سؤاله عن المصادر التي تُدخل هذه السلع إلى السوق تحديداً، أجاب ساخطاً: «هناك مافيا وراءها، ولا أحد يعلم مصدرها سوى الله».
بيد أن الجهات المعنية بمكافحة هذه المخالفات، بدأت تنشط في مهماتها أخيراً. وقد قام مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية وحماية الملكية الفكرية، في 24/2/2009 بإتلاف أكثر من مئة ألف قرص مدمج وأشرطة كاسيت مقلّدة تحتوي على: أفلام وألعاب، وبرامج معلوماتية. كانت تلك الأقراص الممنوعة قد ضُبطت في إطار الحد من استخدام وتجارة المنتجات الفكرية بطريقة غير قانونية. وقد حضر عملية الإتلاف عدد من شركات الإنتاج والتوزيع اللبنانية. ويذكر أن هذه العمليات تساعد على رفع ترتيب لبنان على لائحة الدول المكافحة للقرصنة، مما يسهم في ملائمة التشريعات التي تطلبها منظمة التجارة العالمية «wto» من أجل الانضمام إليها. وقد لحظ البيان الوزاري للحكومة الحالية المسألة، فنص في فقرته السادسة على «أهمية إعادة انخراط لبنان في الاقتصادين العربي والعالمي. وتسريع عملية انضمام لبنان إلى منظمة التجارة العالمية وتطبيق القوانين المتعلقة بحماية الملكية الفكرية ومكافحة القرصنة».

نظرة مغايرة

وفي سياق منفصل، يرفض رضا حب الله المختص في شؤون الدعاية والتسويق، ما نعته بـ«المبالغة» في حماية الملكية الفكرية والفنية، لأن «نتاج الفكر والإبداع هو ملك للإنسانية، ولا يجوز منع الاستفادة عن الطبقة الفقيرة وغير القادرة على دفع التكاليف الباهظة التي يضعها المنتجون». وعلى الرغم من أن رأيه الشخصي يخالف طبيعة عمله، فإنه لا ينكر حق الملكية الفكرية والفنية بالمطلق، لا بل يراها ضرورة في بعض الأطر، إلا أنه يرى في المقابل أن التطور التكنولوجي المتسارع، يمثّل مانعاً حقيقياً من السيطرة على الأعمال التي تنتشر على الإنترنت مثلاً، والتي تتيح لأي شخص القيام بتحميلها مجاناً أو بأسعار رمزية. برأي حب الله، فإنّ ذلك يمثّل أزمة حقيقية لأصحاب تلك الأعمال والمعلومات، مطالباً بمعالجة أكثر واقعية، فالأزمة لم تعد قابلة للتصحيح «بواسطة القوانين العادية والحلول الخيالية».