كمال خلف الطويل *تتجمع فوق أرض السواد ارتسامات صراع يدور بين أطراف عدة، تتقاطع مصالح بعضها رغم تموضعها في معسكرات متقابلة، وتتعارض مصالح بعضها الآخر رغم تموقعها في الخندق ذاته، ومن ثم فمذاق هذا الصراع مغاير في الطعم ومخالف في الشكل للصراعات ذات الطابع التقليدي.
هنا لاعبون عديدون:
1ــــ الرئيس الأميركي الجديد محاطاً بنخبة قديمة ــــ جديدة ترى في العراق مكاناً للخروج منه لا للتشبث به، وعلى طريقة تقصير الخطوط وتقليل الخسائر، وخصوصاً أن تصاحب ذلك مع نيل بعض امتيازات نفطية تخفّف من هول ما بدأ فيه وعليه.
2ــــ شريحة نافذة من العسكرية الأميركية ترى في الخروج التام هزيمة لا تخطئها عين من جهة، وإضاعة لفرص امتيازات ترفيع وخدمة وتقاعد لا مثيل لها، وهدراً لاستثمار كبير أنفقوا نصف دزينة من السنين وهم يرعونه بالدم والعرق والمال.
3ــــ الكردية السياسية، التي ترى في الخروج الأميركي وصفة دمار لاحق بها يتسابق على السعي به عرب العراق من شيعة لسنّة، لا سيّما وهي قد جاوزت المدى في تجبّرها وغلوّها و«عمالتها».
4ــــ «سديريّو» آل سعود، ممثلين ببندر بن سلطان، الذين يقدّرون أن عراقاً محرراً وبرجحان شيعي يعني إيراناً عظمى لا رادع لها، لذا فالتمسك بأهداب السيد الأميركي واستبقائه محتلاً هو سدرة المنتهى... يصلح الوسم ذاته على كل من عرش عمان ومومياء مصر.
5ــــ أطراف في الشيعة السياسية (العلمانية منها لا الدينية) ترى في الخروج الأميركي تمكيناً أبدياً للشيعية الدينية متحالفة مع الجار الإيراني القوي. ثم أطراف في السنّية السياسية تنتهبها مخاوف استفراد الشيعية السياسية بالدولة وتجييرها حليفاً للجار «المهدّد»، إيران. هي أطراف ألقت مجاذيفها في مرافئ الرياض وعمان وشرم الشيخ.
6ــــ تلاوين الشيعية الدينية المتباينة التي تريد للخروج الأميركي أن يتم بالكامل مع نهاية 2011 (هي فضّلت 2010 أثناء التفاوض)، لا سيّما أنها، مع «راعيها بتفاوت»، إيران، قد استنفدت «محاسن» الاحتلال الأميركي عبر سبيل التمسكن حتى التمكن، وتسعى الآن بقضّها وقضيضها لمنع تأبيده وإدامته.
هي من هنا تريد لوثوبها على الدولة أن يتوطد وفق عقد اجتماعي ــــ سياسي جديد، فيه حيّز مهم لعرب السنّة شرط ارتضائهم دور الشريك الثاني، وفيه حيز أضأل للكرد لا يفيض عما نصّ عليه اتفاق آذار / مارس 2007. من هنا تواصلها مع العسكرية العراقية الموجودة خارج العراق، ومع أطياف من السنّة السياسية داخله وخارجه.
واللافت أنه ما إن تم ترسيم الخروج الأميركي في خطاب أوباما يوم 18 شباط / فبراير، إلا بدأ موسم عنف جديد انخرطت فيه بعض أطراف المتضررين من إنفاذ اتفاق SOFA للانسحاب الأميركي أو كلهم.
والحال أنّ ظنّ المحليين والإقليميين منهم هو أن موسماً كهذا هو بالضبط ما يساعد الشريحة الصقورية من العسكرية الأميركية على دق كعبها في الأرض ورفع عقيرتها بالاعتراض على شمولية الانسحاب، لا سيّما وهي قد نجحت في التحايل على قائدها الأعلى عبر توصيف قوات قتال بأنها قوات خدمة ــــ اسمياً ــــ كي يستبقوها ما بين آب / أغسطس2010 وكانون الأول / ديسمبر 2011، توطئة لاستبقاء فيلق كامل في العراق حتى بعد ذلك التاريخ... إن وسعهم الأمر.
والثابت أن تلمّس إيران لجدية محاولة كهذه تعني بالضرورة إعادة تفعيل العمليات البؤرية والنوعية المستهدفة للاحتلال الأميركي بهدف رفع كلفته لما لا يطيقه صاحبه.
الراجح أن أوباما سيكون صاحب اليد العليا في إتمام الانسحاب الأميركي برمته من العراق قبل الموعد المحدد، مهما وضع له الطامح بالرئاسة بيتريوس وصاحبه أوديرنو من العصي في الدواليب، لأن حسابات القدرة، ببساطة، قصرت عن طموح الاستحواذ.
العراق الآن أحوج ما يكون لمصالحة وطنية شاملة تجمع عربه ـــــ 80% من مواطنيه ـــــ على سكة إعلاء القاسم المشترك الأعلى فوق المنازع الدنيا، توطئة لصك سبيكة مجتمعية جديدة تضمهم مع مواطنيه غير العرب على قاعدة المواطنة، دونما افتئات على الصغير ولا استقواء بالخارج على الكبير.
* كاتب عربي