المالكون القدامى لن يقترعوا في الانتخابات إذا لم ينصَفوا». الشعار ليس بجديد، لقد سبقهم إليه المهجّرون والمعلّمون وغيرهم، وإذا توسّعت حلقة تبنّي هذا الشعار يصبح مشروعاً أن نسأل من سيقترع إذاً في 7 حزيران؟ مجموعة مطالب طرحها هؤلاء في مؤتمر صحافي أمس. لكل مالك قصة يرويها. لكن لا صوت يعلو فوق صوت جورج رباحيه، الجهوري جداً، الذي لم يصل بعد إلى آذان نوّاب الأمة

بسام القنطار
المشهد عند مدخل مركز توفيق طبارة، في بيروت، يوحي أن «لجنة الدفاع عن حقوق المالكين القدامى» قد نجحت في تنظيم تظاهرة كبيرة للمطالبة بحقوق تسعى للحصول عليها منذ نحو ربع قرن. لكن التدقيق في التظاهرة التي زاد عدد المشاركين فيها على 200 شخص، أظهر أنهم ليسوا من نقصدهم، بل إنهم مواطنون ينتظرون دورهم للحصول على طلبات من الصندوق المركزي للمهجرين، القريب من مركز طبارة. أما أسباب كثرتهم هذه الأيام فيفسرها أحد المنتظرين ساخراً: «كلما اقترب 7 حزيران ازدادت الأعداد وكثرت الطلبات».
أين مؤتمر المالكين القدامى إذاً؟ إنه في الطابق العاشر من مركز طبارة. المشهد داخل القاعة يربك الانطباع المسبّق عن المالكين. فالمالك، وخصوصاً في المناطق السكنية المُدنية، يفترض أنه من أصحاب الملايين، لكن المشاركين في المؤتمر يبدون عكس ذلك، بينهم حتى عجزة ضاقت بهم الأحوال، وبعضهم يبدو من أولئك الذين يعلوهم خط الفقر بأشواط! وحده باتريك الأبرص كان الوجه الشبابي الحاضر في القاعة، يكمل مسيرة والدته التي توفيت قبل 8 شهور.
أما جورج رباحيه، فهو رئيس اللجنة والناطق باسمها. وللعم جورج قصة تطول. صوت جهوري لا يحتاج إلى مكبرات، وجه يتقد بالغضب والحنق. ورغم «الدكتاتورية» المفرطة التي يتعاطى بها مع بقية الاعضاء فإنّ مدام برباري، مالكة أخرى، ترى أنه «الوحيد الذي يفهم بالملف منيح، ويعرف كل التفاصيل».
تلا رباحيه، خلال المؤتمر، بياناً باسم المشاركين الذين تحلّقوا حوله رافعين لافتات تطالب النواب بتعديل قانون الإيجارات رقم 160/ 92 الذي يمدد سنوياً منذ عام 1992 ويراه المالكون والمستأجرون على حد سواء غير منصف.
سؤالان طرحهما رباحيه في بيانه: ما الفرق بين أن يقتل شخص برصاصة وأن يُحرم حقه في العيش، ويُحرم أولاده أمواله وإيرادات أملاكه وجنى عمره؟ أين أصبحت زيادة غلاء المعيشة على الإيجارات السكنية، أسوة بالإيجارات غير السكنية؟
الإجابة عن السؤال الأول تبدو صعبة. ورباحيه ينتظر من مجلس النواب اليوم الإجابة عن السؤال الثاني. من المعروف أن قانون الإيجارات يربط زيادة بدلات الإيجار بــزيــادة غــلاﺀ المعيشة. لكن ذلك لم يتحقق في مــرسوم إعطاﺀ زيادة غــلاﺀ معيشة الصادر أخيراً بتاريخ 14-10-2008 تحت الرقم 500، الذي جاﺀ ملتبساً إلى درجة كبيرة جعلت المالكين والمستأجرين في حيرة من أمرهم بشأن مسألة زيادة أو عدم زيادة بدلات الإيجار استناداً إلى هذا المرسوم.
تكمن مشكلة المرسوم، يشرح رباحية، في أنه لم يذكر صراحةً نسبة الزيادة على الأجور، بل حددها بمبلغ 200 ألف ليرة بشكل مقطوع. ورغم أن هذا الأمر جرى تصحيحه لاحقاً بقانون صدر عن مجلس النواب، فإن النص حدد حصراً الزيادة على الإيجارات بالمادة 13من قانون الإيجارات، والمتعلقة بالإيجارات غير السكنية. فيما أغفل المادة 6 التي تحدد الزيادة على الإيجارات السكنية. ما عدّه المستأجرون حجة جديدة للتمسّك بعدم دفع الزيادة على الإيجارات.
وبحسب رباحيه، فإن صدور المرسوم ولاحقاً القانون بهذه الطريقة المخالفة لقانون الإيجارات، ليس خطأً اشتراعياً أو مطبعياً في الجريدة الرسمية، كما قيل، بل كان مقصوداً من جانب صنّاع القرار في الحكومة ومجلس النواب الذين يتآمرون على المالكين لأغراض شخصية تتعلق بوضعهم كمستأجرين قدامى، مستفيدين من كون قانون الإيجارات قانوناً استثنائياً يجب أن تفسر نصوصه بصورة حصرية دون أي توسعة في التفسير أو التأويل.
وحذّر رباحيه مجلس النواب في جلسته اليوم من المماطلة مجدداً، مطالباً بزيادة نسبة غلاء المعيشة على الإيجارات السكنية، وخصوصاً القديمة منها، التي لا يزال بعضها أقل بـ300 مرة من الحد الأدنى للأجور.
ورغم أهمية هذا المطلب فإنّ المالكين القدامى يرون أنه «تفصيلي». إذ إن أصل المشكلة يكمن في قانون الإيجارات نفسه. وللموضوع حكايات يطول شرحها. عبثاً يحاول رباحيه إسكات علي فرحات، ابن بلدة يارين الجنوبية، الذي جمع أمواله في أفريقيا واستثمرها في قطاع البناء، وهو يخرج من جيبه كتاباً موقّعاً باسم وزير العدل الأسبق سمير الجسر، يشير إلى أن مشروع القانون الجديد للإيجارات موجود في مجلس النواب منذ عام 2002. لماذا لا يحرّكه الرئيس بري؟ يسأل أبن بلدة يارين، قبل أن تسبقه دمعته التي حبسها طويلاً. دمعة تشي بأن المغترب المتموّل العائد بملايين أفريقيا، قد أعاده قانون الإيجارات إلى «فلاح غير مكفي» على الخط الأزرق.
قصة فرحات لا تختلف كثيراً عن قصة رياض الريشاني، الذي يملك 40 مأجوراً لا تدر عليه سنوياً أكثر من 1000 دولار لا تكفيه لدفع حصته من الخدمات المشتركة.
في الوقت الذي كان فيه رباحيه يحدد الموعد المقبل للّجنة بتاريخ 2 نيسان، كانت نوال طبّارة تصر على سرد قصتها: «كل لبنان قبض الزودة إلّا المالكين القدامى».
أما ماري حنا صفيرة المولودة عام 1937، فلقد أخرج ابنها من جيبه تقريراً من الطبيب الشرعي يثبت تعرّضه ووالدته للضرب من جانب أحد المستأجرين. ماري كانت تطمح إلى أن يسهم التقرير الذي كلّفها 300 دولار في طرد المستأجر الذي يدفع 200 دولار في السنة. المحصّلة أنها خسرت 100 دولار وبقي المستأجر، وانتهى الموضوع بمحضر درك لا يسمن ولا يغني.