محمد زبيبليس صحيحاً أنّ كلّ القوى السياسيّة في لبنان لا تمتلك برامج سياسية واقتصاديّة واجتماعية... تعميم هذا الحكم يشوّه الحقيقة إلى حدّ كبير، أو يؤدّي، على الأقل، إلى إعفاء قوى كثيرة من مسؤولياتها في إرساء النموذج القائم حالياً وإدارته وتوفير كل الظروف اللازمة لاستمراره... هذا النموذج موجود عن سابق تصوّر وتصميم، تحميه مصالح «خيالية»، ويُجنَّد الجميع في خدمة استمراره، بما في ذلك بعض القوى التي تطلق على نفسها لقب «معارضة».
طبعاً، هناك من يشجّع على تعميم هذا الحكم، ولا سيما إذا كان من أولئك الذين اكتشفوا أخيراً أن رفع شعار «الدولة» يحظى برواج شعبي يوازي الرواج الذي حظيت به أغنية «بوس الواوا»... وهذا ما ينطبق على قوى 14 آذار، التي دعت الناخبين في وثيقة مؤتمرها الأخير للاقتراع من أجل «العبور إلى الدولة»، من دون أن تقترن دعوتها بأي تحديد لماهية هذه الدولة ووظائفها وطرق العبور إليها!
الواضح أن الاكتفاء برفع الشعار من دون أي مضمون لا يعدو كونه محاولة للتعمية. فإذا استُثني ملف سلاح حزب الله وصِلتُه بالصراع مع إسرائيل وموازين القوى الإقليمية، لا تقدّم هذه الوثيقة أيّ تصوّر للدولة يختلف عمّا هو موجود الآن، بل إنها في كل بنودها الـ14 تعيد تأكيد التزامها بالنظام السياسي الطائفي (ميثاق العيش المشترك وتنفيذ اتفاق الطائف والدستور واستبعاد النسبية) والتزامها بالنموذج الاقتصادي القائم (تأييد سياسة التثبيت النقدي وأولوية خدمة الدين العام وتنفيذ برنامج باريس 3 الذي ينطوي على تدمير ما بقي من حضور، ولو محدود، للدولة ومؤسساتها في عملية إعادة توزيع الثروة والدخل وتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين...).
هذه القوى تمتلك برنامجاً وتنفّذه بحرفية عالية جداً منذ سنوات طويلة، وما تطرحه الآن ليس بديلاً، ولكنها لا تستطيع أن تجاهر بذلك فيما هي تريد أن توحي أنها مع برنامج آخر لبناء دولة أخرى لا تقوم على استبعاد أكثرية اللبنانيين وتهميش فئات واسعة منهم، كما أسفر عنه برنامجها... المأساة تكمن في أن بعض القوى في المقلب الآخر تحمل البرنامج نفسه، أو لا تحمل أي شعور بالسوء من مواصلة فرضه وتنفيذه.