راجانا حميةقد تكون روز زيادة، ابنة الخمسين عاماً، قد عاشت الأمومة كما لو أنّها أم، حيث اهتمّت بتربية أبناء أخيها حتّى كبروا. لكن، حتّى هذا الشعور لم يعوّضها عن «ابتسامة الطفل الذي كان يمكن أن يكون ابني». تعرف روز أنّ عيد الأم، الذي يصادف اليوم، لن يعبر هكذا من دون أن يترك صداه «الموحش». هي تحبّ أن يكون لديها عائلة مؤلّفة من «3 أولاد يقولون لي تنعاد عليك يا ماما». ولشدّة ما يعنيها عيد الأم، أسّست روز رابطة نساء قرطبا (قضاء جبيل) التي تعمل من أجل الأمّهات فقط، وابتكرت نشاط «تكريم الأم الأكبر سنّاً في كلّ عيد، وهو تقليد بدأ منذ عام 1992 في قريتنا».
اليوم، تعيش روز مع أمّها. لكن ماذا عن روز بعدها، أعطاها الله طول العمر؟ تتهرّب دوماً من الإجابة، لعلمها أنّها ستكون وحيدة، «لأنّه اللي ما عندها مين يعيّطلها ماما، ما عندها حدا».
هو نفسه الشعور الذي يؤرّق ليلى، وربّما أكثر. ليلى أحسّت فجأة بالنقص، بعدما باتت الفتاة الوحيدة في البيت التي لم تتزوّج. لم تكن تعرف ليلى أنّها ستصل إلى هذا العمر من دون زواج، فقد عاشت في حياتها «أجمل قصّة حبٍّ امتدّت لسنوات، وكنت خلالها أرفض أي عريس كان يتقدّم بطلب يدي». بعد فشل قصّة حبّها، كانت ليلى قد صارت على مشارف الثلاثين. وهنا، «بطّل العجب يعجبني، فالمواصفات التي أطلبها لم تعد موجودة». هي اليوم، في السادسة والأربعين، وأكثر ما يشعرها بالحاجة إلى ولد من لحمها ودمها، حالتان: «عندما أرى أبناء إخوتي، ومن ثمّ أعود إلى البيت لأجد نفسي وحيدة». والثانية «عندما أضطرّ للدخول إلى المستشفى، لأكتشف أن لا أحد بجانبي». لأجل تلك الأسباب، «الولد أهم شيء في حياة المرأة، على الأقل شوفته تفرج القلب». تستفيض أكثر، لتقول: «البنت ليس لها سوى بيتها وأبنائها».
عايدة الساعاتي تحاول التعويض عن هذا النقص بتحضير هدية الأم لأبناء أختها. تجمع عايدة أبناء أختها قبل أسبوعٍ من العيد في «جلسة تفكير»، وعندما يستقرّون على نوع الهديّة «أقسّطها لهم من دكّاني أو أقرضهم المال كي يأتوا بها إن كانت غير متوافرة لدي». لا تكتفي عايدة بجلسة التفكير تلك، حيث تعمد إلى تذكير الأطفال الذين يقصدون دكّانها بعيد الأم، وقد تسألهم عن الهديّة التي سيجلبونها «فقط لأنني أشعر بحاجة إلى مساعدتهم على انتقائها». عايدة، كما غيرها من الفتيات اللواتي قابلناهن، تفضّل «العائلة على العمل»، وتحلم «بطفلين، بنت وصبي، أحمل مسؤوليّتهما وأربيهما وأطبخ لهما وأعلّمها، فأنا أحتاج إلى أن أشعر بأنني أم». هي تحتاج إلى هذا الشعور، وسوزي عون أيضاً. هذه الفتاة، على الرغم من أنّها لا تزال في عمرٍ يسمح لها بالزواج، إلا أنّها تقول إنّها «جربت أشياء كثيرة، إلا شعور الأم». باختصارٍ شديد «بدّي حس شعور أمّي لما تشوفنا، لأن الأمومة هي الشيء الوحيد الذي لا يحتاج إلى الخبرة، بقدر ما يحتاج إلى الحب».
كلهنّ يحلمن بابنٍ يحمل إليهنّ في العيد قالب حلوى، أو أن يقول لهنّ ماما أو أي شيءٍ آخر يشعرهنّ بما تعيشه أيّة أمٍ على وجه هذه الأرض، إلا هي ترفض أن تكون أمّاً. زينب (40 عاماً) اختارت ألا تكون أماً، منذ 15 عاماً. يئست من «تحمّل مسؤولية شقيقتيّ وأميّ، وفي النهاية لم يبق منهنّ إلا واحدة» في إشارة إلى وفاة أمها وشقيقة بمرض عضال. لم يعد قلبها يتّسع «لشخصٍ آخر قد أفقده عاجلاً أو آجلاً، أو أنّه سيفقدني ليعيش اليتم». أما السبب الآخر الذي دفع زينب إلى اتّخاذ القرار في «عزّ الشباب» أنّها ترى تصرّفات بعض الأطفال تجاه أمهاتهم عندما يكبرون. تضحك للقول الشائع: «الولد للكبرة»، فهي لا ترى ذلك «لأنّ الولد في أحيان كثيرة بجيب الآخرة للأم، وأبسط مثال على ذلك عندما تعمد إلى نصحه، فيبادرها بالقول: وإنت شو بفهمك، ما تكتري حكي». لأجل هذين السببين، ربّما هي الآن لا تؤمن بالأمومة، ولكنّها تخاف من أن تصل إلى المرحلة التي وصلت إليها أختها العزباء أيضاً «ماتت وحيدة فوق سريرٍ أبيض».