العدوسية ــ آمال خليلضحك الزهر فضحكت له سنّ بلدة العدوسية في قضاء الزهراني، التي تقسّم أشهر السنة إلى قسمين: 6 أشهر تزرع فيها الأزهار و6 أخرى تقطفها وتوضّبها وتبيعها فتجني تعبها. وفاتحة الخير في أشهر الجني هو عيد الأم، أو لنقل إنه بمثابة «رأس السنة العدوسية». لذا لا تبدو البلدة كعاصمة الأزهار أو قبلة النحل في هذه الأيام فحسب، بل تتحول هي نفسها بأهلها وبيوتها خلية نحل تعمل على جني عسل سنة التعب بكاملها. إذاً، روزنامة العدوسيين تبدأ في شهر آذار، حين تبدأ 10 آلاف زهرة ايستومو وتراشيليوم ورين ومنتور وأخواتها، تتفتح تدريجاً بحسب أنواعها، في الخيم الزراعية المجهّزة في شهر تشرين الأول.
حتى موعد تسليم المحصول، يضع العدّوسيون أيديهم المعفّرة بالتراب والأدوية الزراعية على قلوبهم، لينقضي «الشهر» بسلام من دون توتّرات سياسية أو أمنية تؤثر على حركة بيع الأزهار وشرائها، وتثني الناس عن الاحتفال بالأعياد. ويوضح نائب رئيس بلدية العدّوسية ومسؤول قطاع الأزهار في جمعية المزارعين اللبنانيين إلياس منصور أن «سوق الأزهار يتأثر بحالة عدم الاستقرار التي يشهدها لبنان منذ 4 سنوات والتي تضرب معنويات الناس وجيوبهم، فضلاً عن احتمال تجدّد الخطر الدائم، أي العواصف الطبيعية التي ضرب بعضها الخيم الزراعية في الأشهر المنصرمة، وأتلف بعض مواسم الخضر والأزهار». ويشير منصور إلى أن «السوق حساسة لدرجة أنها تتأثر بالعوامل الخارجية، كعدوان غزة الذي توقفت خلاله حركة البيع»، فيما العاصفة الثلجية الأخيرة زادت من ثقل فاتورة الخسائر التي يتكبّدها مزارعو العدّوسية منذ اضطراب الأوضاع الأمنية والسياسية إثر اغتيال الحريري وما تلاه، ثم خسائر عدوان تموز التي لم تقرّ الهيئة العليا للإغاثة إدراجها على لائحة التعويضات، على الرغم من إنهاء لجان وزارة الزراعة الكشف على الأضرار بعد شهرين من انتهاء العدوان.
ويؤكد منصور أن العدّوسية وسواها من البلدات اللبنانية التي تمتهن زراعة الأزهار «باتت توفّر اكتفاءً ذاتياً للسوق اللبنانية، وسجّلت تطوراً مشهوداً منذ 4 سنوات، وفتح بعض المزارعين الكبار خطوطاً خارجية للتصدير، وخصوصاً إلى أسواق الخليج»، لافتاً إلى أن جمعية المزارعين «توصّلت إلى جعل وزارة الزراعة تقلّص استيراد الأزهار، الذي يتركّز في معظم الأحيان في أشهر الشتاء القاسية، من كانون الأول حتى شباط».
إشارة إلى أن العدّوسية لا تُدرج في «روزنامة أعيادها» عيد العشاق، لأن نوع الورد المطلوب فيه هو الجوري، وهو يزرع في مناطق باردة نسبياً (400 متر على الأقل)، فيما تعلو البلدة 100 متر فقط عن سطح البحر. ومن بين 70 مزارعاً، وحده بشارة أيوب الذي يزرع حوالى ألفي وردة جورية يبيعها بالجملة لمحال الأزهار، لكنه يشكو «من فتح الأسواق وفوضى القطاع، ما يؤدي إلى تدنّي سعر الوردة حتى أقل من كلفتها»، كما يشكو إلى الله خسائره بسبب العواصف الطبيعية الأخيرة وخوفه من تجدّد العواصف البشرية، الأمنية والسياسية.


ثلث البلدة لزراعة الأزهار

170 بيتاً في العدوسية تتحول منذ بداية آذار حتى عيد الفصح إلى خلايا نحل، فيشترك جميع أفراد عائلات مزارعي الأزهار، وخصوصاً بحلول عيد الأم، في قطف الموسم وتوضيبه تمهيداً لبيعه بالجملة لمحال الأزهار في لبنان. منذ 12 عاماً «نقشت» مع البلدة الساحلية الزراعية، فقد نجحت فيها زراعة الأزهار وأصبحت ربيعها الدائم، بدءاً من منطقة الزهراني وصولاً إلى أسواق دبي أخيراً. لكنّ النجاح بدأ بمخاطرة أخذها نحو 70 % من أهلها على عاتقهم بعد تكبّدهم خسائر متواصلة من زراعة الخضر. ولأن وزارة الزراعة لا توجّههم، كان عليهم تعلّم تقنيات الزراعة وحدهم، تماماً كما يتحمّلون الخسائر بسبب العوامل المناخية أو السياسية.