يعتبرها أهالي مخيم برج البراجنة رياضاً لأطفالهم. لكن حتى أفضل روضة في المخيم، تعاني مشاكل جمة: إما لموقعها غير المناسب لهذا النوع من النشاط، أو لوضعها الصحي أو لافتقارها لأبسط حقوق التلامذة، كالملاعب
قاسم س. قاسم
يشير عبد العزيز العلي إلى يده التي يلفها برباط «وقعت وأنا في طريقي إلى الروضة التي أضع فيها ابنتي». يكمل حديثه «إذا أنا ووقعت فكيف الأولاد بهيك شوارع»؟ لم تكن الطريق التي تؤدي إلى الروضة التي يضع عبد العزيز فيها ابنته مضاءة حين ذهب لإحضار ابنته بعد الدوام، بل إن موقعها لا يوحي حتى بأن هناك روضة للأطفال. بكل بساطة رياض مخيم برج البراجنة الاثنتا عشرة عبارة عن شقق سكنية، فيها غرف عدة، تحولت إلى روضات. ولكن أين يلعب الأطفال؟ في الملعب، صحيح، لكن الملعب فوق.. السطح! هكذا، بإمكان الأهالي «الاطمئنان» إلى أن أولادهم .. على السطح! أما من الناحية الصحية، فأشعة الشمس لا تدخل بعض هذه الرياض لأنها محاصرة بطوق من الأبنية. ما الذي يجبر أهالي المخيم على هذا المرّ؟ الأمرّ منه، كما يقول المثل. فحاجة الأهالي لمن يرعى أبناءهم دفعهم لتقبل الروضات التي افتُتحتت دون أي دراسة مسبقة. لكن هذه الرياض تمكنت من استقطاب الأهالي من خلال نشاطاتها الترفيهية. أما الأهم بالنسبة إليهم من الروضة نفسها، فهو من يرعى أطفالهم هناك ومن هو المسؤول عن إداراتها. ففي المخيم الكل يعرف الكل. وإذا كان الشخص المسؤول مشكوكاً بأهليته، فلن يعود هناك روضة ولا من يحزنون.
لا تقتصر وسائل الترفيه في رياض المخيمات على اللعب واللهو فقط، بل تهتم بتثقيفهم وتعليمهم معنى الصمود بانتظار عودتهم إلى بلادهم، وتحاول تعزيز صلتهم بهذا الوطن الغائب عن السمع واللمس والمشاهدة، بوسائل قد يكون أبسطها تدريسهم أسماء قراهم وتحفيظهم تاريخ فلسطين.
لكن هل من الممكن تناسي الظروف السيئة لرياض أطفال المخيمات؟ فأغلبها يفتقر إلى أدنى مستويات الرعاية الصحية، وبعضها لا تدخله الشمس أبداً، والبعض الآخر يعاني من الرطوبة التي قد تتسبب بأمراض تنفسية للأطفال. إلى ذلك، لا يستطيعون أن يلعبوا بحريتهم من دون إسكاتهم لأن أصواتهم تصل إلى البيوت الملاصقة لهم. لا تشبه روضات المخيم مثيلاتها في الأماكن الأخرى، فالأطفال فيها لا يملكون الألعاب، أما ألوانها فهي باهتة وأغلب الأساتذة من غير أصحاب الاختصاص في مجال رعاية الأطفال.
لا يؤمن بعض سكان المخيم بضرورة وضع أولادهم في هذه الرياض لأسباب مختلفة، قد يكون بعضها مادياً، فـ«هيدول شاطرين بنهب المصاري» كما تقول أم محمد شبايطة التي تترك أولادها إما عند أقاربها أو حتى .. في الشارع «حسب مشواري». وهي لا تتوانى عن سوق حجة أخرى لإحجامها من نوع «ما في متل الأم». تخالف ليلى الجشي مسؤولة «روضة دلال المغربي» في مخيم برج البراجنة أم محمد الرأي، فروضتها تأخذ «مئة دولار فقط بالسنة، حتى أنّ بعض الأهالي لا يدفعونها كاملةً، والروضة عندنا تضم 70 طالباً، وهي من طابقين وفيها ملعبان أيضاً»، على السطح واحد وعلى الأرض آخر. لا تعترض الجشي على هذا الواقع «لأننا نعرف الوضع الاجتماعي لأهل المخيم، وعلينا أخذ ذلك بعين الاعتبار». وبحال وقع في الروضة أي حادث للأطفال فمن يهتم برعايتهم؟ تقول الجشي «الرعاية الصحية على حساب الروضة، لكننا حتى الآن والحمد لله لم نتعرض لمثل هذه الحالات».
أما اليوم، وبعد تكاثر هذه الرياض في مخيم البرج، أين الأونروا من هذا الواقع الجديد؟ يقول مسؤول كبير في الأونروا «إننا نعمل على الموضوع، فهناك توجه جديد لدى إدارة الأونروا يقضي بالاهتمام بالروضات على اعتبارها جزءاً من هيئات المجتمع المدني. أما في الماضي فقد كان التعاون بيننا يقتصر على الإشراف، ولم نكن نستطيع تقديم شيء لهم».


اثنتا عشرة روضة

يضم مخيم برج البراجنة اثنتي عشرة روضةً موزعة على أطراف المخيم وفي أزقته الداخلية بدون أي دراسة لأفضل الأماكن الصالحة لإيواء أطفال. وهي كما يأتي: روضة الشهيدة دلال المغربي، روضة الشهيد غسان كنفاني، روضة براعم الأقصى، روضة الإنعاش، روضة إسعاد الطفولة، روضة فلسطين، روضة أبناء القسّام، روضة أطفال الصمود، روضة النجدة الاجتماعية، روضة جمعية المرأة، روضة شهيد فلسطين، وروضة الهدى. أما تمويل هذه الرياض فأغلبه يكون عبر مساعدات جمعيات أجنبية