انعقدت الدورة السادسة والعشرون لوزراء الخارجية العرب في بيروت، أمس، بحضور جميع الوزراء، ما خلا وزراء داخلية الصومال وجزر القمر. جاء الوزراء مثقلين بالقضايا الأمنية الشائكة التي «تنغل» في بلدانهم، آملين إحداث تغيير ما، هنا، في بيروت الجريحة جرّاء التفجيرات الأمنية المتتالية. بيد أن الجوّ في الافتتاح كان إيجابياً، رغم ما رافق المؤتمر من إجراءات أمنية كثيفة
أحمد محسن
وجب على زائر بيروت، أمس، تكبّد ما أنتجته الإجراءات الأمنية التي اتخذتها قوى الأمن الداخلي، لمناسبة انعقاد الدورة السادسة والعشرين لوزراء الداخلية العرب.
اصطفّ رجال الأمن على طول الطريق المؤدية إلى فندق فينيسيا، مروراً بالطرقات القريبة من مستديرة الكولا وجسر سليم سلام. تفصل بينهم أمتار قليلة، ويتشابهون مع الأعمدة الحديدية التي تحمل الجسر. يلقون نظراتهم على السيارت المارة على جانبي الطريق ذهاباً وإياباً، ولوحظ وجود بعض الرافعات المعدّة لإزالة السيارات المتوقفة على «الأوتوستراد» المؤدّي إلى الفندق.
هناك، أمام الفندق، كان بالإمكان سماع أصوات الذبذبات الفارّة من أجهزة اللاسلكي بوضوح تام.
طغى الطابع الأمني على المشهد. تتولّى وحدات من «الفهود» ضبط الأمن في محيط الفندق ومراقبة الرتل الهائل من السيارات المركونة في مواجهته، والمذيّلة بلوحات دبلوماسية صفراء يلاصق بعضها بعضاً من شدة الزحمة.
وقرب السيارات تقف آلية مدرعة كبيرة تحمل رشاشاً متطوراً، تشبه آليات الجيش اللبناني البرمائية، إلا أن أفراد «الفهود» كانوا يسيطرون عليها.
تخلّل الجلسة عرض لنظام الاتصالات العصري، المنشأ في نطاق الأمانة العامة، والذي يُفترض أن يُسهّل الاتصالات بين الأمانة العامة ومكاتبها المتخصصة ووزارات الداخلية في الدول العربية.
وكان متوقعاً أن تنطلق الأعمال في الواحدة ظهراً، وهو التوقيت المعدّل الذي عمّمته وزارة الداخلية والبلديات اللبنانية على وسائل الإعلام.
لكنّ الوزراء العرب أخذوا وقتاً أطول مما كان متوقعاً في إجراء بعض اللقاءات الثنائية على هامش المؤتمر، أثناء «جلسة الشاي». انتهت «جلسة الشاي» المذكورة متأخرةً ساعة تقريباً عن الموعد المعلن أساساً.
ولعلّ دخول وزير الداخلية زياد بارود (ممثّل رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان) إلى القاعة في الموعد المحدد، هو الحدث الوحيد الذي راعى التوقيت الذي حدّده برنامج المؤتمر. صافح بارود الصحافيين فرداً فرداً، ولم يفته أن يشكرهم على حضورهم. في المقابل، كان الصحافيون ينتظرون افتتاح المؤتمر، قبل أن يفاجئهم الوزراء بالدخول إلى القاعة، وسبقهم في ذلك رئيس شعبة العلاقات العامة في قوى الأمن الداخلي بالطلب من الصحافيين التراجع إلى الوراء. أخذ الوزراء أماكنهم على الطاولة المستطيلة إيذاناً بافتتاح الدورة الحالية.
لم يكن متوقعاً أن تبدأ الجلسة بآيات القرآن الكريم، لكون الوزارات المشاركة هي وزارات الداخلية لا وزارات أوقاف، لكن ذلك ما حصل فعلاً، إذ تلى الشيخ خالد بركات آياتٍ من الذكر الحكيم على مسامع مسؤولي الأمن، وتالياً على مسامع الحاضرين.
تابع المقدّم التلفزيوني الشهير جورج قرداحي تعريفه لأعمال المؤتمر، فأعلن دخول العلم اللبناني، وعلم مجلس وزراء الداخلية العرب.
قرعت قوى الأمن طبولها، ودخلت الأعلام على وقع الموسيقى، حتى وصلت الأعلام إلى الطاولة التي يجلس عليها رئيس الجلسة (بارود). وأثناء استكماله حلقة التعريف، أغرق قرداحي القوى الأمنية اللبنانية مديحاً، فوصف قيادتها بالحكيمة، شاملاً الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي والأمن العام. ورأى مقدّم برنامج «من سيربح المليون» أن وجود العرب في بيروت يستحق التهنئة، لا بل الشكر، مشيراً إلى أن «أمن العرب من أمن لبنان، وأمن لبنان من أمن العرب». وفيما بدا أنه تسليط للإضاءة على مصطلح «الإرهاب»، رأى قرداحي أن الأخير هو أخطر أنواع الجريمة، وقدّم اقتراحاً لطيفاً طالب فيه المجتمعين بإدراج غرفة عمليات عربية مشتركة بين الدول الممثّلة في المؤتمر، على الوثيقة التي ستنبثق منه، منبّهاً إلى أن عملها يجب أن يكون 24 ساعة يومياً.
وفي محاولة لبلورة رؤية شاملة عن مكافحة الجريمة، دعا الأمين العام لمجلس وزراء الداخلية العرب محمد بن علي كومان «إلى تحصين المواطن العربي بالتعاليم الدينية والأخلاقية». وعندما انتهى من دعوته الدينية، الغريبة عن الطابع الأمني الذي يتّسم به المؤتمر، أعلن كومان انتهاء المرحلة الأولى «من نظام الاتصالات العصري»، بين أجهزة المجلس، والذي مثّل بنظره نقلة نوعية في التواصل بين الأجهزة، من خلال شبكة إلكترونية للاتصالات المعلوماتية والهاتفية والمرئية تستخدم قنوات مشفّرة ومؤمّنة.
في المرحلة الأولى رُبطت الأمانة العامة بمكاتبها المتخصصة، على أن يُشرع قريباً في ربط شعب الاتصال في وزارات الداخلية العربية. بعد كومان، ألقى وزير الداخلية السعودي كلمة مقتضبة، قبل أن يلقي بارود كلمة رئيس الجمهورية ميشال سليمان.
حدّد بارود عناصر استتباب الأمن بثلاثة عناصر: هيبة الدولة أولاً، ثقة الناس بالمؤسسات وأخيراً قدرة الأجهزة الأمنية على مواجهة الجريمة. وتقتضي مهمة وزراء الداخلية العرب ملء أيّ نواقص محتملة.
وتجدر الإشارة إلى أن بارود وقّع مذكرة تفاهم للتعاون والتنسيق الأمني مع وزير الداخلية الإماراتي (على هامش المؤتمر)، تضمنّت تبادل الخبرات في مجالَي مكافحة الإرهاب والجريمة. وفي بادرة لافتة، قال بارود في كلمته إن وزارة الداخلية يجب أن تكون «وزارة حقوق الإنسان» أيضاً.