روان عز الدين... هكذا كل ليلة، تتراءى صور الغائبين من خلف نوافذ الموت. تتحول غرفتي الصغيرة مسرحاً لاستعراض رقصاتهم وجنونهم الليلي. ضحكاتهم الباكية وتهدّج صرخاتهم يمزّقان الصمت. رحيلهم بقاء أرعن. هم الأشجان والأفراح، الأعياد والمآتم، المراثي والأعراس. ثورتهم تعاند الغياب، ولادة من رحمه.
وجوههم العارية تضيء سماء الغرفة المرتعبة، وتعيد إليّ بقايا ماضٍ حاضر لطالما حاولتُ اقتلاع جذوره وكسر قضبانه.
وحده بين الوجوه وجه جدتي المصلوب على مرأى الضوء الخافت يحدق بي. يلمع اضطراباً. وشمها البدوي وملامحها القروية تبحث عن وارثة لها، عن فتاة قضت من المثالية نحبها.
كفّاها تحاولان ترميم ما بقي منها فيَّ، بينما عيناها تفشلان في كل محاولة لاستعادة بريق عينيّ النقي. ويلتحم الصوت الطاهر بالشيطاني.
وكما في كل ليلة، تتقمّص جسدي الرعشة، تبتلعني ألسنة الذعر والضياع، وأغفو على صوت جدتي تروي لهم إحدى حكاياها العتيقة، عن فتاة تقود طريقاً نحو النجوم... نحو الهاوية...