الإقامة في أوروبا خيار استراتيجي• سلاح «حزب الله» حاجة حالياً
• على «الشيوعي» أن يخلق إمكانات التغيير

بعد شهرين من الإفراج عنها عام 1998 غادرت سهى بشارة لبنان. لكن غيابها لم يحل دون حضورها الدائم وفي أكثر من محطة. قبل أيام وجدناها مشاركة في أعمال «أسبوع الفصل العنصري الإسرائيلي» الذي عقد في مونتريال مطلع الشهر الجاري وكان هذا الحوار

مونتريال ـــ زياد نجار
منذ خرجت من الأسر ابتعدت تدريجياً ثم غادرت لبنان كلياً، لماذا؟
- في الواقع أنا لم أترك تدريجياً بل مباشرةً. غادرت لبنان للمشاركة في مؤتمر للفدرالية النسائية العالمية في فرنسا، ثم أعطيت نفسي مجالاً لتقويم تجربتي، وتحديد المكان الذي يجب أن أكون فيه. فوجدت أن أوروبا هي المكان الأنسب للاستمرار في نضالي المرتبط بالقضية الفلسطينية، علماً أن الأمور مفتوحة على احتمال العودة، فالهدف هو الحضور في المكان الأكثر فعالية. البقاء في أوروبا هو خيار استراتيجي، ففي كل العالم العربي لا معنى للكلام مع أي مسؤول مهما علا شأنه عن موضوع المعتقلين أو الاحتلال الإسرائيلي، بينما أنا على قناعة بأنه إذا كان من تغيّر في المنطقة يتعلّق بالقضية الفلسطينية، فهو من خلال أوروبا.

أنت في مونتريال اليوم وستزورين أوتاوا للمشاركة في مؤتمر مماثل، ما أهمية هذه المؤتمرات، وهل تغير شيئاً لدى المجتمع الغربي؟
- أهميتها في تسليط الضوء على القضية الفلسطينية. صحيح أن الصراع حاضر في وسائل الإعلام لكن كلّ هذا الكلام لا يتحول إلى آلية ضاغطة على المجتمع الدولي تدفع باتجاه قيام دولة فلسطينية. هناك ضرورة في الدول الأوروبية والغربية لإثارة هذا الواقع ونقل الصورة بطريقة مبسّطة. هناك حاجة أيضاً إلى تفعيل حملة المقاطعة لإسرائيل ومن ضمن ذلك تحميل مسؤوليات. الكلّ قادر والكلّ يجب أن يمارس دوراً ما.

هل ترين إذاً في حملة «المقاطعة، حجب الاستثمار والعقوبات» إمكاناً جديّاً للتأثير؟
- بالتأكيد ما دام الهدف ليس التأثير المباشر في الاقتصاد الإسرائيلي بل هو هدف معنوي. ويمكن، إذا تكوّنت حالة عالمية، خلق أطر ضاغطة مباشرة على إسرائيل من خلال الوصول إلى الحكومات. أنا أقول بضرورة استمرار هذه الأطر المقاومة، لأن الحل يمكن أن يأتي من خلال المجتمع الدولي أو من الداخل الإسرائيلي، وبما أنه لا تأثير لنا في الداخل يبقى علينا السعي إلى التغيير من خلال المجتمع الدولي على غرار نموذج جنوب أفريقيا.

في فيلم «سهى العودة إلى بلاد حزب الله»، بدوتِ في صورة المتعاطف والملتزم بالمقاومة، مع الجدل الدائر بشأن سلاح «حزب الله» أمَا زلت على قناعة بضرورة المقاومة؟
- في ما يتعلق بهذا الأمر أنا إنسانة علمية وأقارب الموضوع من زاوية واحد زائد واحد يساوي اثنين. إذا كنا نملك قوة مكّنتنا بعد 22 عاماً من تحرير بلدنا والعودة إلى قرانا فذلك لم يكن نتيجة ضغوط المجتمع الدولي. وبما أن العدو لا يزال موجوداً، ولبنان مهدداً، أرى أن الموضوع يجب أن يكون مؤجلاً لأن هذا السلاح هو حاجة، أما عموماً فأنا أقول إنه لا بد من تسليم السلاح للجيش اللبناني، وحلمنا أن يكون الجيش في مقدمة المواجهة مع أي عدو ليس فقط مع إسرائيل، لكن المسألة تتطلب مدة زمنية قد تكون عشر سنوات، لأننا نعلم أن الجيوش النظامية لا تفيد في وجه الاحتلال الإسرائيلي.

هل أنت معنيّة بالانتخابات النيابية المقبلة؟
- معنية كمواطنة لبنانية، لكني أستغرب كثرة الكلام عن معارك حامية يمكن أن تغير في موازين القوى، كما أرفض وصف الرئيس الجميّل للموضوع بأنه حرب بين مشروعين. أنا لا أرى منافسة بين مشروعين لأن الفريقين متفقان على حفظ توازنات معينة. مثلاً، لن يتم الاقتراب من سلاح حزب الله مقابل أن لا يمسّ الحزب بالقضايا الاجتماعية، علماً أنه لو أراد حزب الله أن يسيّر تظاهرات ترفع لواء المطالب الاجتماعية لكان البلد قد تغير، لأنه قادر على قلب التوازنات. من المؤسف أنه لم يستغل هذه الطاقة لتغيير الهيكلية الاجتماعية.

احتفل الحزب الشيوعي اللبناني أخيراً بمؤتمره العاشر وسُجّل احتلال الشباب مواقع قيادية وتقدّم أشخاص قادمين من تجارب نقابية أو مقاومة، ماذا يعني لك هذا الحزب؟
- في بلد مثل لبنان أعتقد أنه قد يكون الحزب الوحيد الذي يملك إمكان التغيير والبناء، أو يفترض به أن يمتلك هذا المشروع، لأنه لا يمكن البلد أن يستمر في ظلّ هذا النظام الطائفي ولأن «الشيوعي» يعتبر نفسه حزباً طليعياً وعلمانياً ونضالياً وشبابياً ويسعى إلى بناء هذه الدولة. بالنسبة إلي عندما انخرطت في صفوف جبهة المقاومة كان العمل المقاوم جزءاً ولم يكن الكلّ، أي إن التحرير كان جزءاً من الحلم الكبير ببناء دولة علمانية تقدم مواطنية وعدالة اجتماعية لأبنائها. تلك كانت العناوين التي تدغدغ أحلامنا وأعتقد أنه يفترض بالحزب الشيوعي أن يكون حاملاً لهذا المشروع.

في رأيك هل يملك الحزب الشيوعي هذا الإمكان اليوم؟
- هناك نقص في الإمكانات لأسباب عدة مرتبطة بالنواحي التنظيمية، بمنهجية العمل، إضافةً إلى الظروف التي تعصف بالمنطقة. في الوقت نفسه أنا أقول بضرورة خلق الإمكان، أي أن نعيد تنظيم وضع الحزب للنزول إلى الشارع بمشروع موجود لدى قسم كبير من الناس يعتبر نفسه شيوعياً، وإن كان غير منتم إلى الحزب.


لغة عربية وبلديات