رغم أن الطفل المصاب بتشوهات قلبية مهدد بفقدان الحياة أو بمعاناة طويلة، إلا أن تكاليف العلاج الباهظة في لبنان تحول أحياناً دون خضوع بعض الأطفال للعلاج اللازم، الأطباء يقولون إن كشف التشوهات لدى الجنين أمر ممكن خلال شهور الحمل الأولى، أما أسباب هذا المرض فهي متنوعة
غادة دندش
يولد أكثر من 1% من أطفال لبنان وهم يعانون تشوّهات مختلفة في القلب، وهذا يعني أن أكثر من خمسمئة طفل في لبنان معرّضون للموت سنوياً بسبب هذه الحالة القابلة للعلاج لكن بتكلفة باهظة جدّاً. هذا الأمر دفع بمجموعة من أطباء القلب وجرّاحيه في مستشفى أوتيل ديو إلى المبادرة إلى تأسيس جمعية «هارت بيت»، هدفها دعم ومساعدة الأطفال الذين من تشوّهات القلب وتعاني عوائلهم من عجز مادي، وهنا تتدخل «هارت بيت» لتأمين العلاج اللازم لهؤلاء الأطفال، ونلفت إلى أن «هارت بيت» تتعاون مع الجمعية العالمية التي تُعنى بالأطفال المصابين بأمراض القلب في العالم والمسمّاة سلسلة الأمل.
رغم أن الإحصاءات الصادرة عن منظمات دولية، تشير إلى أن تشوّهات القلب الخلقية هي السبب الأول للوفيات بين الأطفال في العالم، إلا أن التجارب أثبتت أن تلقي العلاج المناسب في وقت مبكر وبالطريقة المتوافرة في مستشفيات لبنان تسمح بإنقاذ أكثر من 95% من الأطفال المرضى في بلادنا من الموت. وقد أكّد الدكتور عصام الراسي جرّاح القلب في أوتيل ديو وأحد المتطوّعين في جمعية «هارت بيت»، أن عمل الجمعية قد تطوّر كثيراً منذ انطلاقتها، حيث إنها قد أجرت منذ تأسيسها (عام 2005) وحتى يومنا هذا نحو 400 عملية جراحية مختلفة لأطفال يعانون تشوّهات في القلب عند الولادة، وقد بلغت نسبة النجاح فيها 95% وتطمح الجمعية إلى رفع هذا العدد بشكل ملحوظ خلال العام الجاري. إن هذا المرض الذي يمثّل تهديداً على حياة 1% من أطفالنا يظهر لدى الجنين في الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل. وهذه التشوّهات متنوّعة، منها البسيطة التي تسمح للطفل بحياة طبيعية بعد تلقي العلاج المناسب، ومنها المعقّدة التي تحتاج إلى عمليّات جراحية متعدّدة. وقد بات من الممكن تشخيص هذه التشوّهات قبل ولادة الطفل، وهذا الأمر ضروري جدّاً من أجل المباشرة بالعلاج منذ اللحظة الأولى للولادة. هناك 35 نوعاً من تشوّهات القلب الخلقية وهي تقسم إلى أربع مجموعات أساسية، منها الفتحات والثقوب في الجدار الفاصل ما بين البطين الأيمن والبطين الأيسر في القلب، ومنها التضيّق أو القصور في أحد صمّامات القلب، ومنها التكوين الخاطئ للقلب، وآخرها عدم وجود أحد البطينين أو ما يُعرف بتسمية نصف قلب. أسباب هذه التشوّهات متنوّعة، لكن عشرة في المئة منها تُعزى إلى حالات لدى النساء اللواتي سبق أن أنجبن أطفالاً مصابين بتشوّه خلقي في القلب، كما يمكن أن يكون السبب إصابة الأم بحالة مماثلة أو إصابتها ببعض الأمراض خلال فترة الحمل أو قبلها أو تناولها بعض أنواع الأدوية أو الكحول، بالإضافة إلى أن نسبة كبيرة من الأطفال المرضى هم ثمرة زواج أقارب. هذه التشوّهات جميعها تسفر عن نقص في الطاقة والأوكسجين وتعيق التطوّر الطبيعي للطفل وتتمظهر كما يقول الدكتور الراسي بما يُعرف بـ L enfant bleu أو الطفل الأزرق الذي يولد شديد السمار، ويتعرّض جسمه ومناطق من وجهه إلى الازرقاق الشديد عندما يقوم بأيٍّ من الأمور التي يقوم بها الطفل السليم من بكاء أو ضحك أو حتى خلال محاولة الرضاعة. العلاج الذي تحتاج إليه هذه التشوّهات على تنوّعها يتراوح بين القسطرة بغية إغلاق الفتحات في جدار القلب، أو إصلاح الصمّامات والشرايين الضيّقة، وبين جراحة القلب المغلق وأخيراً جراحة القلب المفتوح، في لبنان بلغت نسبة عمليات القلب المفتوح 45% من مجمل عمليات القلب، وعمليات القلب المغلق 20%، وعلاج البالون 35%.
أخيراً، وفي إطار الحديث عن الوقاية، يُذكر أن منظمة الصحة العالمية أطلقت قبل عامين تقريراً جاء فيه أن العمل الذي تؤديه المنظمة في مجال الأمراض القلبية يدخل ضمن الإطار الإجمالي للوقاية من الأمراض المزمنة ومكافحتها الذي حددّته إدارة الأمراض المزمنة وتعزيز الصحة التابعة للمنظمة. والأغراض الاستراتيجية لتلك الإدارة هي إذكاء الوعي بوباء الأمراض المزمنة الذي يتخذ أبعاداً عالمية؛ وتهيئة بيئات صحية للفئات الفقيرة والمحرومة بوجه خاص؛ وكبح جماح عوامل الأخطار المرتبطة بالأمراض المزمنة، مثل النظام الغذائي غير الصحي والخمول البدني، والعمل على عكس اتجاهها؛ وتوقي الوفيات المبكّرة وما يمكن تجنّبه من حالات العجز الناجمة عن أهمّ الأمراض المزمنة. كما لفتت المنظمة إلى أنه يمكن تجنّب نحو 80 في المئة من الوفيات المبكرة الناجمة عن أمراض القلب والسكتة الدماغية باتّباع نظام غذائي صحي وممارسة النشاط البدني بانتظام والامتناع عن التدخين.