بعد 24 يوماً على انطلاق المحكمة، بقّ المتحدثون الرسميّون باسمها البحصة: اعتُمد القضاة ونظام الإجراءات والأدلة وأصبحت المحكمة جاهزة لانتقال الاختصاص إليها، لكن لم يُقدّم قاضي الإجراءات التمهيدية الطلب بهذا الشأن إلى السلطات اللبنانية لأسباب بقيت حتى مساء أمس مجهولة أدى أخيراً القضاة والمدعي العام ورئيس قلم المحكمة الخاصة بلبنان اليمين. وعيّن القاضي الإيطالي أنطونيو كاسيزي (الصورة) رئيساً للمحكمة، وتمّ اعتماد القواعد الإجرائية وقواعد الإثبات والقواعد المتعلقة بالتوقيف والمبادئ التوجيهية الخاصة بتعيين محامي الدفاع. وعيّن الأمين العام للأمم المتحدة الفرنسي فرانسوا رو (Francois Roux) رئيساً لمكتب الدفاع بالتشاور مع الرئيس. وقد أدى رو اليمين في ما بعد.
وبحسب بيان صدر عن مكتب العلاقات العامة للمحكمة، سيبدأ الرئيس كاسيزي وقاضي الدائرة التمهيدية البلجيكي دانيال فرانسين «ممارسة مهامهما بدوام كامل قريباً». أما سائر قضاة دائرة المحاكمة ودائرة الاستئناف، «فسيبدأون بمزاولة مهامهم في تاريخ يحدده الأمين العام بالتشاور مع الرئيس». وسيتم الإعلان عن أسمائهم فور الانتهاء من الإجراءات الأمنية.
وكانت المتحدّثة الرسمية باسم المحكمة الخاصة، سوزان خان، قد أكدت في رسالة جوابية وجّهتها إلى «الأخبار» في 11 آذار الماضي أن «جميع الإجراءات الأمنية لزيارة القضاة المحكمة بهدف الاجتماع وقسَم اليمين قد وضعت ...! ليس هناك أي نوع من التأخير في هذا الإطار».
ويلاحظ أن القسم العربي للموقع الإلكتروني الخاص بالمحكمة www.stl-tsl.org ما زال قيد الإنشاء، لكن رغم ذلك ذكر البيان الرسمي أن «سيرة كل من الرئيس كاسيزي والقاضي دانيال فرانسين والسيد رو ستنشر قريباً على موقع المحكمة». كذلك فإن البيان أشار إلى أن نصّ نظام الإجراءات والأدلة موجود على الموقع، وهو أمر غير صحيح.

بيان كاسيزي

إضافة إلى بيان مكتب العلاقات العامة، ورد أمس بيان عن رئيس المحكمة القاضي أنطونيو كاسيزي جاء فيه: «باتت المحكمة تملك الأدوات القانونية اللازمة لمعالجة الملفات الأولى المتعلقة بقضية الحريري التي يتوقع من السلطات اللبنانية نقلها في الأسابيع القليلة المقبلة على نحو عاجل وفعال».
وتضمّن البيان بعض فقرات نظام الإجراءات والأدلة الذي يستند إلى «أعلى معايير المحاكمة العادلة وقانون أصول المحاكمات الجزائية اللبناني، ويراعي ميزات الجرائم الإرهابية الواقعة ضمن صلاحيتها». كذلك ذكر البيان أن النظام يستند إلى «ممارسات وإجراءات محاكم جنائية دولية أخرى وتتضمن بعض العناصر الجديدة بما فيها: أ) الدور المعزز لقاضي الدائرة التمهيدية، ب) مجموعة حقوق معززة خاصة بالدفاع، ج) المشاركة الواسعة للضحايا في الإجراءات بموجب ضوابط محددة، د) مجموعة من الإجراءات المتعلقة بالبدائل عن توقيف المتهم، هـ) حماية مصالح الأمن القومي». أما في ما يتعلّق بمدّة توقيف الأشخاص المشتبه فيهم في الضلوع في الجريمة، فيتضمّن النظام نصّاً شبه مطابق للنصّ الوارد في القاعدة رقم 40 في نظام محكمة يوغوسلافيا السابقة ورواندا، والذي يسمح بالتوقيف لمدة ثلاثين يوماً، قابلة للتمديد مرّتين فقط من دون توجيه الاتهام. وكانت «الأخبار» قد نشرت النصّ الكامل للقاعدة 40 في عددها الصادر في 2 آذار الماضي.

قاضي الدائرة التمهيدية

نظام الإجراءات والأدلة للمحكمة الخاصة بلبنان يتميّز عن الأنظمة المعتمدة في المحاكم الدولية الأخرى، إذ يتضمّن تعزيزاً لدور قاضي الدائرة التمهيدية (قاضي ما قبل المحاكمة) على النحو الآتي: استناداً إلى قانون أصول المحاكمات الجزائية اللبناني، تمكّن القواعد قاضي الدائرة التمهيدية من تحضير القضايا قبل أن تنظر فيها دائرة المحاكمة بطريقة عادلة وعاجلة وفعالة. ووفقاً لنظام المحكمة الخاصة بلبنان، فإن قاضي الدائرة التمهيدية في المحكمة هو قاضٍ مختلف عن القضاة العاملين في دائرة المحاكمة ودائرة الاستئناف ويتمتع بصلاحيات متجردة ومحايدة. في الوقت الذي يحضّر فيه الادّعاء والدفاع قضاياهما ويقدمها، يمارس قاضي الدائرة التمهيدية صلاحيات هامة خلال المرحلة الأولى من الإجراءات وذلك تسهيلاً لإجراءات المحاكمة. وهو مكلف بخاصةٍ بتحضير ملفٍ لدائرة المحاكمة يتضمن الأدلة المستقاة من الشهود والأدلة الوثائقية التي سوف تقدم في المحاكمة. كذلك فإنه يسهل تقديم الأدلة من قبل الفرقاء ـــــ على سبيل المثال، يمكنه في ظروف استثنائية وبناءً على طلب أحد الفرقاء جمع الأدلة التي قد لا تكون متوافرة في المحاكمة أو التي يتعذّر على هذا الفريق جمعها.

تكافؤ بين الادّعاء والدفاع

وفقاً للنظام المعتمد، يستطيع المشتبه فيهم والمتهمون الإفادة من مساعدة مكتب دفاع مستقل وخبرته، على قدم المساواة مع مكتب المدعي العام. ويهدف إنشاء مكتب دفاع بموجب النظام الأساسي للمحكمة إلى تأمين تكافؤ الفرص بين الادّعاء والدفاع. يملك مكتب الدفاع صلاحيات واسعة بشكل خاص لاختيار محامين ذوي كفاءة عالية وخبرة في مجالي الإرهاب والقضايا الجنائية الدولية ولضمان تمتعهم بالتسهيلات المناسبة والدعم القانوني من أجل عملهم. كذلك يستطيع المكتب تقديم مساعدات أخرى لمحامي الدفاع.

مشاركة الضحايا

وفقاً للنظام الأساسي والقانون اللبناني، يحق للضحايا الذين يختارون عدم المثول بصفة شهود، المشاركة في الإجراءات أمام المحكمة منذ تأكيد الإدانة حتى إصدار الحكم. وعلى الرغم من أن الضحايا لا يتمتعون بالحقوق نفسها التي يتمتع بها المدعون في نظام القانون المدني، يمكنهم ممارسة عدد من الحقوق الإجرائية. ولكن مشاركة الضحايا في الإجراءات تخضع للمراقبة القضائية الصارمة وتتم من خلال ممثل قانوني وذلك لتفادي إضعاف حقوق المتهمين وضمان إجراءات سريعة. أما في حال وجود عدد من الضحايا في قضية ما، فيمثلون من قبل ممثل قانوني مشترك إلا في حال تضارب المصالح.
(الأخبار)


وحدهم الذين وافقوا مسبّقاً ملزمون بالتعاون

وفقاً للنظام الأساسي، وحده لبنان والدول التي وافقت مسبقاً، ملزمة قانوناً بالتعاون مع المحكمة. من أجل حثّ سائر الدول على التعاون والحد بقدر الإمكان من اللجوء إلى المحاكمات الغيابية، تتضمّن القواعد إجراءات حوافز للمتهمين المقيمين في سائر الدول للمثول أمام المحكمة. تتضمن القواعد إجراءات بديلة من التوقيف والاعتقال، مثلاً: إصدار أوامر للمثول أمام المحكمة بدلاً من مذكرات التوقيف، السماح للمتهم بالمثول أمام المحكمة وبحوزته جواز مرور يحصّنه من التوقيف والملاحقة القانونية، وبالمشاركة في الإجراءات عبر خدمة المؤتمرات الملتفزة. ويتيح الإجراء الأخير للمتهمين المشاركة في المحاكمة من مكان إقامتهم بدون الحاجة إلى القدوم إلى لاهاي. ولا تعدّ هذه الإجراءات بمثابة محاكمة غيابية وفقاً للنظام الأساسي.

تقديم معلومات بالسرّ

نظراً لأهمية المعلومات السرية أو الفائقة الحساسية المتعلقة بمحاكمات الجرائم الإرهابية، توفر القواعد للدول سبلاً مختلفة لمساعدة المحكمة في تقديم الأدلة مع الحفاظ على مصالح أمنها القومي. تستطيع الدول تقديم معلومات إلى الادعاء أو الدفاع قد تفيد تحقيقاتهما وذلك سراً بدون أن يكون المتلقي ملزماً بكشف هوية مانح تلك المعلومات.
وتُراعى الحقوق الأساسية للمشتبه بهم وللمتهمين وهي صيغت لتحقيق توازن بين الحاجة إلى المعلومات السرية ومتطلبات المحاكمة العادلة. ويتم ذلك بأن يُعهد إلى قاضي الدائرة التمهيدية مهمة البت في المسألة؛ إذا أيّد طلب الفريق عدم الإفصاح عن المعلومات، سوف يأمر بإجراءات تهدف إلى صون حق الفريق الآخر بمحاكمة عادلة. بناءً على طلب أي من الفرقاء، يستطيع محام خاص مقبول من الدولة أو الطرف المانح للمعلومات السرية القيام بمهمة التقييم ويوصي قاضي الدائرة التمهيدية بشأن عدم الإفصاح.