في الخامس عشر من أيلول الماضي، أصدر وزير الداخليّة والبلديات زياد بارود تعميماً يقضي بتشدّد الحملة الأمنية في قمع مخالفات قانون السير والتزام قواعد السلامة المروريّة. اليوم، في الـ25 من آذار، يتراجع هذا الإجراء شيئاً فشيئاً، وخصوصاً في ما يتعلّق بمخالفات حزام الأمان لدرجة أن يغيب تماماً عن بعض المناطق المحيطة ببيروت
راجانا حمية
سبعة أشهر وعشرة أيام. لم يكن كل ذلك الوقت كافياً لإنهاء مخالفات المواطنين لقانون السير، ولكنه كان كافياً، كما هو متوقّع، لإتعاب رجال الحواجز الطيّارة وبالتالي تخفيفهم من ملاحقة المخالفين. فاليوم، بعد مضي 29 أسبوعاً على صدور قرار وزير الداخلية والبلديات زياد بارود المتعلق بالتشدّد في قمع مخالفات قانون السير وضبط قواعد السلامة المرورية، يتسلّل التعب إلى رجال الأمن، وتخف شيئاً فشيئاً حركة الحواجز التي كانت كفيلة، بداية الحملة بإغلاق شوارع بأكملها.
هكذا، يغمر الهدوء النسبي حركة الملاحقة في بيروت، ويهدأ بالتالي خفقان قلوب مواطنين وسائقين وجدوا أنفسهم فجأةً قادرين على المخالفة من دون محاسبة. لكن، الهدوء النسبي لـ«اجتياحات» الطيارة لم يكن في المستوى نفسه. فما انتهى، أو بتعبير أدق، ما خفّ هو حواجز قمع مخالفات حزام الأمان. وقد يكون الدليل على هذا الوضع تراجع عدد محاضر الضبط التي حرّرها رجال الأمن في الآونة الأخيرة مقارنةً بما كانت عليه في الأشهر الأولى من انطلاقة الحملة. فمع بداية الحملة، تمكّنت سريّة سير بيروت من تحرير 11437 محضراً، فيما هي اليوم لا تتعدّى 2000 محضر، وأكثر من ذلك. ربما يسوق قائد السريّة العقيد محمد الأيوبي تبريراً آخر لما «قيل إنه تراجع في الحملة»، وهو أنّ «العملية باتت في منتصف الطريق، إذ اعتاد السائقون استعمال الحزام، والأهم أنّ الحملة أسهمت في تعميم فكرة استعمال الحزام بعدما كانت مقتصرة فقط على واحد بالألف مثلاً». وإذا كان الرجل مصرّاً على القول «إنّنا مستمرّون في إجراءاتنا الأمنيّة، كما أنّنا نسير في حملتَي قمع مخالفات الدراجات الناريّة والسلامة المروريّة بالتوازي»، إلّا أنّه «قد يكون اهتمام مفارز السير بقمع مخالفات الدرّاجات الناريّة تفوّق في مكان ما على الحملة الأخرى، لكون الدراجات أكثر خطورة من عدم وضع الحزام». علماً أنّ مخالفات حزام الأمان بلغت في أوائل آذار 23362 مقارنةً بمخالفات الدراجات التي بلغت نحو 9402.
بناءً على هذا، هل يمكن القول إنّ المواطنين ما زالوا مواظبين على شدّ الحزام؟ لا يمكن الجزم بأنّ الالتزام بحزام الأمان أو بالسلامة المروريّة موحّد بين جميع المواطنين وفي جميع المناطق. ففي الضاحية الجنوبية لبيروت، لم يكن الالتزام أصلاً التزاماً حتّى «في عزّ دين الحملة»، كما يشير حسين دقماق. لم يذكر دقماق أنّه أوقف يوماً في زواريب الضاحية بسبب عدم وضعه حزام الأمان. دقماق ليس ضدّ النظام، ولكن، في اعتقاده، أنّه «إذا حطيت حزام الأمان هون بيستلموني ولاد منطقتي». وعندما يخرج دقماق عن حدود تلك المنطقة، يعود شيئاً فشيئاً إلى النظام، مجبراً، ويضع حزام الأمان «خوفاً من أكلة شي ضبط». لا يوافق محمّد الأمين على ما يقوله دقماق، إذ إنّه «ليس صحيحاً أنّه في الضاحية غير ملزمين بحزام الأمان، بس أنه في الزواريب لا يمكن نصب حواجز طيارة، ولا داعي أصلاً للحزام، وما أكثر الزواريب الضيّقة هنا».
بعيداً من الضاحية وهدوئها النسبي، تبقى شوارع بيروت الرئيسة عرضة للحملات الطيّارة، ما يستوجب من قاصديها مزيداً من الحيطة والحذر. ولو أن فادي جدعون يقول إنه حتى لو «عفشتني الحواجز الطيارة، لدي إمكان الاتصال بصديق!». إلى ذلك، يسوق المواطنون مبررات مضحكة لكرههم حزام الأمان، ولو من باب تاكيد الالتزام. من نوع أن يقول لك نعمة الله بحسون، إنه على الرغم من كرهه هذا الحزام لكونه «بيربّط الواحد وبيخليه عرضة للسرقة»، ما يمنعه من ملاحقة... السارق، فإنه مجبر على الالتزام بوضع الحزام خوفاً من المخالفة. بل إن التزام بحسون، بحسب كلامه، «وصل إلى حد الهوس. في بعض الأوقات أجلس في سيارتي للقراءة، لكن لشدة اعتيادي الحزام أضعه من دون وعي مني!!».
التزام بحسون بات، على ما يبدو، الخيار الوحيد للمواطنين الذين يجولون في شوارع بيروت الخاضعة لـ«كبسات الحواجز»، خوفاً من الدفع في عزّ الأزمة المالية والوضع المعيشي المتردي. لكن، ثمة اعتراضات على هذا الخيار، إذ يقترح نديم الحلبي أن يبقى التشديد «على الأوتوسترادات، وخصوصاً أنه في الشوارع الداخلية لا تزيد السرعة على 40 أو 60 كلم، وهذه ليست سرعة».
سواء شاء سائقو «السرفيسات» أو أبوا فهُم، أو غالبيتهم، ملتزمون بحزام الأمان، «حتى في الزواريب»، لأن عملهم المستمر بين المناطق يعرّضهم أكثر من غيرهم «للقاءات طارئة» مع الحواجز الطيارة. وهنا، يشير السائق محمد الحركة إلى أنه «منذ بدء الحملة حتّى اليوم، لم أخلع القشاط (الحزام) أبداً، على الرغم من أن الإجراءات خفت». يوافق السائق الآخر فايز الترك رأي زميله، فيقول إنّ «تعميم الوزير كان في مكانه، إذ ألزم المواطنين تعوّد حزام الأمان، وخصوصاً السائقين الذين يخافون من القيمة المالية التي يمكن أن يدفعوها، والتي يمكن أن تتخطى في غالبية الأحوال إنتاجهم اليومي». ويعلّق الترك على تراجع حركة الحواجز الطيارة، فيشير إلى «أنّ تخفيف الإجراءات الأمنيّة يمكن أن يكون قد حصل نظراً إلى هذا الالتزام».
هو اعتياد إذاً. نجحت حملة الداخلية في هدفها الأول، إذ تمكّنت من «إجبار» غالبية المواطنين في العاصمة على استعمال حزام الأمان، ولكن حتى هذا النجاح لم يكن على قدر «الرهجة» التي رافقت انطلاقة الحملة في 15 أيلول، إذ وصلت حصيلة حواجز «جس النبض» إلى ضعف ما تحقّقه الحملة الآن، فهل ستعاود نشاطها أم أنها ستكون كغالبية القرارات الرسمية التي تخبو قبل أن تبلغ عامها الأول؟